تفسير سورة الإخلاص

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

سُورَةُ الإِخْلاصِ مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ ابنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ وَمَدَنِيَّةٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَهُ غَيْرُهُ وَهِيَ أَرْبَعُ ءَايَاتٍ

وَيُقَدَّرُ مُتَعَلَّقُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ فِعْلا أَوِ اسْمًا فَالْفِعْلُ كَأَبْدَأُ وَالاسْمُ كَابْتِدَائِي. وَكَلِمَةُ "اللَّه" عَلَمٌ عَلَى الذَّاتِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ الْمُسْتَحِقِّ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ، وَهُوَ غَيْرُ مُشْتَقٍّ.

الرَّحْمٰنُ مِنَ الأَسْمَاءِ الْخَاصَّةِ بِاللَّهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ شَمِلَتْ رَحْمَتُهُ الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ الَّذِي يَرْحَمُ الْمُؤْمِنِينَ فَقَطْ فِي الآخِرَةِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ [سُورَةَ الأَعْرَاف آية 156]، وَالرَّحِيمُ هُوَ الَّذِي يَرْحَمُ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [سُورَةَ الأَحْزَاب آية 43]، وَالرَّحْمٰنُ أَبْلَغُ مِنَ الرَّحِيمِ لأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْبِنَاءِ تَدُلُّ عَلَى الزِّيَادَةِ فِي الْمَعْنَى.

بسم الله الرحمن الرحيم

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)

رَوَى الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَقَرَأَ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ السُّورَةَ يُرَدِّدُهَا لا يَزِيدُ عَلَيْهَا فَاُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْءَانِ» أي ثواب قراءة سورة الإخلاص يشبه ثوابَ قراءةِ ثلُثِ القرءان مِن بعضِ النّواحِي لما فيها من التوحيد ولكن ليسَ مِثلَه على التّمام.

قال السيوطي في شرح مسلم قيل معناه أن القرآن على ثلاثة أنحاء قصص وأحكام وصفات الله تعالى وقل هو الله أحد متمحضة للصفات فهي ثلث وجزء من ثلاثة أجزاء. ومثل ذلك نقل النووي في شرح مسلم عن المازري.

قال في فيض القدير لأن معاني القرآن آيلة إلى ثلاثة علوم علم التوحيد وعلم الشرائع وعلم تهذيب الأخلاق وتزكية النفس، والإخلاص تشمل على القسم الأشرف منها الذي هو كالأصل للأخيرين وهو علم التوحيد.

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2)﴾ قَالَ: الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ لأَنَّهُ لَيْسَ شَىْءٌ يُولَدُ إِلا يَمُوتُ وَلَيْسَ شَىْءٌ سَيَمُوتُ إِلا سَيُورَثُ، وَإِنَّ اللَّهَ لا يَمُوتُ وَلا يُورَثُ ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)﴾ قَالَ: لَمْ يَكُنْ لَهُ شَبِيهٌ وَلا عَدْلٌ وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ، صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.

وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْيَهُودَ أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: صِفْ لَنَا رَبَّكَ الَّذِي تَعْبُدُهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)﴾ إِلَى ءَاخِرِهَا، فَقَالَ: عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ «هَذِهِ صِفَةُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ».

﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)﴾ قُلْ أَيْ يَا مُحَمَّدُ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: «أَحَدٌ أَيْ وَاحِدٌ»، فَاللَّهُ تَعَالَى وَاحِدٌ لا شَرِيكَ لَهُ وَلا شَبِيهَ لَهُ وَلا وَزِيرَ لَهُ لا يُشْبِهُ شَيْئًا وَلا يُشْبِهُهُ شَىْءٌ وَهُوَ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ، وَفِي شَرْحِ كِتَابِ التَّوْحِيدِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ يَقُولُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: «وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَفَسَّرُوا التَّوْحِيدَ بِنَفْيِ التَّشْبِيهِ وَالتَّعْطِيلِ»، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْجُنَيْدُ فِيمَا حَكَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ: «التَّوْحِيدُ إِفْرَادُ الْقَدِيمِ مِنَ الْمُحْدَثِ»، وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ التَّمِيمِيُّ فِي كِتَابِ الْحُجَّة: التَّوْحِيدُ مَصْدَرُ وَحَّدَ يُوَحِّدُ، وَمَعْنَى وَحَّدْتُ اللَّهَ اعْتَقَدْتُهُ مُنْفَرِدًا بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ لا نَظِيرَ لَهُ وَلا شَبِيهَ، وَقِيلَ: مَعْنَى وَحَّدْتُهُ عَلِمْتُهُ وَاحِدًا، ثُمَّ قَالَ وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ تَضَمَّنَتْ تَرْجَمَةُ الْبَابِ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِجِسْمٍ لأَنَّ الْجِسْمَ مُرَكَّبٌ مِنْ أَشْيَاءَ مُؤَلَّفةٍ: وَقَدِ افْتَتَحَ الْبُخَارِيُّ كِتَابَ التَّوْحِيدِ مِنْ صَحِيحِهِ بِقَوْلِهِ: «بَابُ مَا جَاءَ فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ أُمَّتَهُ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى»، وَقَالَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ: «وَالتَّوْحِيدُ الإِيـمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ» اهـ.

فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى التَّوْحِيدِ وَيُعَلِّمُهُمُ الإِيـمَانَ وَشَرَائِعَ الدِّينِ مُبَيِّنًا لَهُمْ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ، رَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ جُنْدُبِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ فَتَعَلَّمْنَا الإِيـمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْءَانَ ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْءَانَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيـمَانًا»، وَإِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ صَحِيحٌ كَمَا ذَكَرَ الْحَافِظُ الْبُوصِيرِيُّ فِي مِصْبَاحِ الزُّجَاجَةِ. وَالْحَزَاوِرَةُ: الأَشِدَّاءُ.

وَفِي كِتَابِ الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ: «أَنَّ الإِمَامَ مَالِكَ بنَ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: وَسَمِعْتُ أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ ابْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَدْ قَرَأَ الْقُرْءَانَ رِجَالٌ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: أَنِ افْرِضْ لَهُمْ وَأَعْطِهِمْ وَزِدْهُمْ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ: أَنَّهُ لَمَّا فَعَلْنَا ذَلِكَ أَسْرَعَ النَّاسُ فِي الْقِرَاءَةِ حَتَّى قَرَأَ سَبْعُمِائَةٍ، فَكَتَبَ إِلَيَّ عُمَرُ: أَنْ دَعِ النَّاسَ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَقْرَأَ النَّاسُ الْقُرْءَانَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ، قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَتَأَوَّلُوهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ. قَالَ الْقَاضِي مُحَمَّدُ بنُ رُشْدٍ: هَذَا بَيِّنٌ عَلَى مَا قَالَهُ لأَنَّ التَّفَقُّهَ فِي الْقُرْءَانِ بِمَعْرِفَةِ أَحْكَامِهِ وَحُدُودِهِ وَمُفَصَّلِهِ وَمُجْمَلِهِ وَخَاصِّهِ وَعَامِّهِ وَنَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ ءَاكَدُ مِنْ حِفْظِ سَوَادِهِ فَيَكُونُ مَنْ حَفِظَ سَوَادَهُ وَلَمْ يَتَفَقَّهْ فِيهِ وَلا عَرَفَ شَيْئًا مِنْ مَعَانِيهِ كَالْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا، وَقَدْ أَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ عَلَى سُورَةِ الْبَقَرَةِ ثَمَانِيَ سِنِينَ يَتَعَلَّمُهَا لأَنَّهُ كَانَ يَتَعَلَّمُهَا بِفِقْهِهَا وَمَعْرِفَةِ مَعَانِيهَا. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق.

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ عِنْدَ شَرْحِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى فِي بَابِ جِمَاعِ أَبْوَابِ ذِكْرِ الأَسْمَاءِ الَّتِي تَتْبَعُ نَفْيَ التَّشْبِيهِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى جَدُّهُ: أَيْ عَظَمَتُهُ «مِنْهَا الأَحَدُ، قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَهُوَ الَّذِي لا شَبِيهَ لَهُ وَلا نَظِيرَ، كَمَا أَنَّ الْوَاحِدَ هُوَ الَّذِي لا شَرِيكَ لَهُ وَلا عَدِيدَ وَلِهَذَا سَمَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَفْسَهُ بِهَذَا الاسْمِ لَمَّا وَصَفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)﴾ فَكَأَنَّ قَوْلَهُ جَلَّ وَعَلا: ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3)﴾ مِنْ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ ﴿أَحَد﴾، وَالْمَعْنَى لَمْ يَتَفَرَّعْ عَنْهُ شَىْءٌ وَلَمْ يَتَفَرَّعْ هُوَ عَنْ شَىْءٍ» اهـ.

وَاللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الْجِسْمِيَّةِ وَالْكَيْفِيَّةِ كَمَا ذَكَرَ الإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ فِي أَعْلامِ الْحَدِيثِ شَرْحِ الْبُخَارِيّ: «فَإِنَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْنَا وَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ بِذِي صُورَةٍ وَلا هَيْئَةٍ فَإِنَّ الصُّورَةَ تَقْتَضِي الْكَيْفِيَّةَ وَهِيَ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ صِفَاتِهِ مَنْفِيَّةٌ» اهـ. وَقَالَ فِي كِتَابِ «شَأْنِ الدُّعَاءِ» مِنْ تَصْنِيفِهِ: «وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالأَحَدِ أَنَّ الْوَاحِدَ هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالذَّاتِ لا يُضَاهِيهِ ءَاخَرُ، وَالأَحَدُ هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالْمَعْنَى لا يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ».

قَالَ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «وَاللَّهُ تَعَالَى وَاحِدٌ لا مِنْ طَرِيقِ الْعَدَدِ وَلَكِنْ مِنْ طَرِيقِ أَنَّهُ لا شَرِيكَ لَهُ»، فَلا شَرِيكَ لِلَّهِ فِي الذَّاتِ وَلا فِي الصِّفَاتِ فَلَيْسَ لأَحَدٍ صِفَةٌ كَصِفَتِهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ، مَهْمَا تَصَوَّرْتَ بِبَالِكَ فَاللَّهُ بِخِلافِ ذَلِكَ، قَالَهَا ثَوْبَانُ بنُ إِبْرَاهِيمَ ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ مِنْ كِبَارِ مَنْ رَوَى عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ الْحَافِظُ أَحْمَدُ بنُ سَلامَةَ الطَّحَاوِيُّ فِي عَقِيدَتِهِ الَّتِي حَكَى فِيهَا عَقِيدَةَ السَّلَفِ: «تَعَالَى - يَعْنِي اللَّه - عَنِ الْحُدُودِ وَالْغَايَاتِ وَالأَرْكَانِ وَالأَعْضَاءِ وَالأَدَوَاتِ لا تَحْوِيهِ الْجِهَاتُ السِّتُّ كَسَائِرِ الْمُبْتَدَعَاتِ»، وَقَالَ: «وَمَنْ وَصَفَ اللَّهَ بِمَعْنًى مِنْ مَعَانِي الْبَشَرِ فَقَدْ كَفَرَ»، وَهَذَا بَيِّنٌ ظَاهِرٌ لِمَنْ كَانَ لَهُ مُسْكَةٌ مِنَ الْعَقْلِ.

وَقُرِأَتْ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ بِتَنْوِينِ أَحَد وَقُرِأَتْ أَحَدُ اللَّه بِتَرْكِ التَّنْوِينِ وَقُرِأَتْ بِإِسْكَانِ الدَّالِ أَحَد اللَّه قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَأَجْوَدُهَا الرَّفْعُ بِإِثْبَاتِ التَّنْوِينِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ (2)﴾ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ: «قَالَ الْحَلِيمِيُّ: مَعْنَاهُ الْمَصْمُودُ بِالْحَوَائِجِ، أَيِ الْمَقْصُودُ بِهَا»، فَهُوَ الَّذِي تَفْتَقِرُ إِلَيْهِ جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ مَعَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْ كُلِّ شَىْءٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: «قَالَ أَبُو وَائِلٍ: هُوَ السَّيِّدُ الَّذِي انْتَهَى سُؤْدَدُهُ». وَأَبُو وَائِلٍ هُوَ شَقِيقُ ابْنِ سَلَمَةَ رَوَى عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَمَّارٍ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ الأَعْمَشُ وَغَيْرُهُ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «﴿الصَّمَدُ﴾ الَّذِي لا جَوْفَ لَهُ، وَرَوَيْنَا هَذَا الْقَوْلَ عَنْ سَعِيدِ بنِ الْمُسَيَّبِ وَسَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ وَالسُّدِّيِّ وَالضَّحَّاكِ وَغَيْرِهِمْ». وَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهُ لَيْسَ كَالإِنْسَانِ بَلْ لَيْسَ كَأَحَدٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ سُبْحَانَهُ.

﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)﴾ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: «كَذَّبَنِي ابْنُ ءَادَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، أَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ أَنْ يَقُولَ إِنِّي لَنْ أُعِيدَهُ كَمَا بَدَأْتُهُ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ أَنْ يَقُولَ: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا وَأَنَا الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُوًا أَحَدٌ».

قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْح الْبَارِي: «وَلَمَّا كَانَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَاجِبَ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ قَدِيمًا مَوْجُودًا قَبْلَ وُجُودِ الأَشْيَاءِ وَكَانَ كُلُّ مَوْلُودٍ مُحْدَثًا انْتَفَتْ عَنْهُ الْوَالِدِيَّةُ، وَلَمَّا كَانَ لا يُشْبِهُهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ وَلا يُجَانِسُهُ حَتَّى يَكُونَ لَهُ مِنْ جِنْسِهِ صَاحِبَةٌ فَتَتَوَالَدُ انْتَفَتْ عَنْهُ الْوَلَدِيَّةُ وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ﴾ [سُورَةَ الأَنْعَام]»، انْتَهَى كَلامُ ابْنِ حَجَرٍ.

فَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾ نَفْيٌ لِلْمَادِّيَّةِ وَالانْحِلالِ وَهُوَ أَنْ يَنْحَلَّ مِنْهُ شَىْءٌ أَوْ أَنْ يَحُلَّ هُوَ فِي شَىْءٍ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ قَالَ الْحَافِظُ: «وَمَعْنَى الآيَةِ أَنَّهُ لَمْ يُمَاثِلْهُ أَحَدٌ»، فَاللَّهُ تَعَالَى لا نَظِيرَ لَهُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَالْكُفْءُ: الْمَثِيلُ.

وَقَرَأَ حَمْزَةُ: «كُفْؤًا» بِسُكُونِ الْفَاءِ وَبِهَمْزٍ فِي الْوَصْلِ وَيُبْدِلُهَا وَاوًا فِي الْوَقْفِ مَفْتُوحَةً.

فَائِدَةٌ: رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلا سَمِعَ رَجُلا يَقْرَأُ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ يُرَدِّدُهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْءَانِ». قَالَ الْحَافِظُ: «يَتَقَالُّهَا بِتَشْدِيدِ اللامِ وَأَصْلُهُ يَتَقَالَلْهَا أَيْ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا قَلِيلَةٌ وَالْمُرَادُ اسْتِقْلالُ الْعَمَلِ لا التَّنْقِيصُ».

وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الأَذَانِ فِي بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ فِي حَدِيثِ أَنَّ رَجُلا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي أُحِبُّهَا - يَعْنِي ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ السُّورَةَ - فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ»، وَفِي مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْءَانِ» قَالُوا: وَكَيْفَ يَقْرَأُ ثُلُثَ الْقُرْءَانِ ؟ قَالَ: «﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْءَانِ».

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَاللَّفْظُ لِأَبِي دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ خُبَيْبٍ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجْنَا فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ لَنَا فَأَدْرَكْنَاهُ فَقَالَ: «قُلْ» فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: «قُلْ» فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ «قُلْ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَقُولُ ؟ قَالَ: «﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ».

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الطِّبِّ فِي بَابِ النَّفْثِ فِي الرُّقْيَةِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ نَفَثَ فِي كَفَّيْهِ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَبِالْمُعَوِّذَتَيْنِ جَمِيعًا ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ وَمَا بَلَغَتْ يَدَاهُ مِنْ جَسَدِهِ، قَالَتْ: فَلَمَّا اشْتَكَى كَانَ يَأْمُرُنِي أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ بِهِ»، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا ذَكَرَهَا فِي بَابِ الرَّقَى بِالْقُرْءَانِ وَالْمُعَوِّذَاتِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْفُثُ عَلَى نَفْسِهِ [بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ أَيْ أَمْسَحُ جَسَدَهُ بِيَدِهِ، وَبِالْكَسْرِ عَلَى الْبَدَلِ] فِي الْمَرَضِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ فَلَمَّا ثَقُلَ كُنْتُ أَنْفُثُ عَلَيْهِ بِهِنَّ وَأَمْسَحُ بِيَدِهِ نَفْسِهِ لِبَرَكَتِهَا». فَتَأَمَّلْ أَيُّهَا الْمُطَالِعُ رَحِمَكَ اللَّهُ بِتَوْفِيقِهِ قَوْلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «وَأَمْسَحُ بِيَدِهِ نَفْسِهِ لِبَرَكَتِهَا» تَسْتَفِدْ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا عَلَى اعْتِقَادِ الْبَرَكَةِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا ضِدُّ مَا عَلَيْهِ نُفَاةُ التَّوَسُّلِ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ. واللَّهُ أَعْلَمُ.

سني أهل السنة دروس دينية إسلامية ثقافة إسلامية تفسير قرآن تفسير سورة إخلاص تفسير سورة الإخلاص تفسير جزء عم يتساءلون سورة الإخلاص إيمان بالله عقيدة إسلامية حديث نبوي الله موجود بلا كيف تنزيه الله توحيد توحيد الله ماتريدية الله أحد أشاعرة إسلام إيمان بالله صفات الله معنى الله الصمد الله موجود بلا مكان