قُلْ يا أيُّها الكافِرون
قوله تعالى: ﴿قُلْ يا أيُّها الكافِرون﴾ أي قل يا محمد، والكافرون هم أناس مخصوصون وهم الذين طلبوا منه أن يعبد أوثانهم سنة ويعبدوا إلهه سنة، فأنزل الله هذه السورة إِخبارًا أنَّ ذلك لا يكون، أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس، قاله في الفتح، وفي قوله تعالى ﴿قُلْ﴾ دليل على أنه مأمور بذلك من عند الله وخطابه لهم بكلمة ﴿يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ في ناديهم ومكان بَسطة أيديهم مع ما في هذا الوصف من الازدراء بهم دليل على أنه صلى الله عليه وسلم لا يبالي بهم فالله يحميه ويحفظه.
﴿لا أعبُدُ ما تَعبُدون﴾ قال البخاري: "الآن ولا أجيبكم فيما بقي من عمري"، أي فيما تعبدون من الأصنام.
﴿ولا أنتم عابِدونَ ما أعبُد﴾ أي لا تعبدون الله في الحال ولا فيما يُستقبل إذ إنَّ الله تعالى عَلِمَ منهم أنهم لا يؤمنون.
﴿ولا أنا عابِدٌ ما عَبَدْتُم (4) ولا أنتم عابِدونَ ما أعبُد (5)﴾ وهذا التوكيد فائدته قطع أطماع الكفار وتحقيق الإخبار بوفاتهم على الكفر وأنهم لا يُسلمون أبدًا ولا يؤمنون.
﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ في الآية معنى التهديد وهو كقوله تعالى: ﴿لَنَا أَعمَالُنَا وَ لَكُم أَعمَالُكُم﴾ [سورة القصص]، فقوله ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ﴾ أي الباطل وهو الشرك الذي تعتقدونه وتتولونه ﴿وَلِيَ دِينِ﴾ الذي هو دين الحق وهو الإسلام، أي لكم شرككم ولي توحيدي وهذا غاية في التبرّي من الباطل الذي هم عليه. ومثل ذلك في إفادة التهديد والوعيد قوله تعالى في سورة الكهف: ﴿فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ﴾ ، فليس معنى الآية أن من اختار الإيمان كمن اختار الكفر، بل من اختار الكفر مؤاخذ ومن اختار الإيمان مُثاب، ويدل على أنها تفيد التهديد بقية الآية قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا (29)﴾ [سورة الكهف]، وهنا يجدر التنبيه إلى أن العلماء قالوا: من قال في الآيتين إنهما تفيدان أن لا مؤاخذة على من اختار دينًا غير الإسلام إنه يكفر لتكذيبه قوله تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)﴾ [سورة آل عمران]