تفسير سورة المرسلات آية 34 إلى 50
﴿ويلٌ يومئذٍ﴾ أي يوم القيامة ﴿للمكذبين﴾ أي المكذبين بهذا الوعيد الذي توعد الله به من كفر به من عباده.
﴿هذا يوم﴾ أي في يوم القيامة ﴿لا ينطقون﴾ أي لا يتكلمون أي في بعض مواطن القيامة ومواقفها وذلك لأن في بعضها يتكلمون وفي بعضها يختصمون وفي بعضها يُختم على أفواههم فلا ينطقون.
﴿ولا يؤذن لهم فيعتذرون﴾ أي مما اقترفوا في الدنيا من الذنوب، فليس لهم عذر في الحقيقة لأنه قد تقدم الإعذار والإنذار في الدنيا فلم يبق لهم عذر في الآخرة.
﴿ويلٌ يومئذ﴾ أي يوم القيامة ﴿للمكذبين﴾ يعني لما تبين أنه لا عذر لهم ولا حجة فيما أتوا به من الأعمال السيئة ولا قدرة لهم على دفع العذاب عنهم لا جَرَمَ قال في حقهم ﴿ويل يومئذ للمكذبين﴾.
﴿هذا يومُ الفصل﴾ أي يقال لهم هذا اليوم الذي يفصل فيه بين الخلائق فيتبين المحق من المبطل والسعيد من الشقي ﴿جمعناكم﴾ أي جمع الله الذين كذَّبوا محمدًا صلى الله عليه وسلم ﴿والأولين﴾ أي والكفار الذين كذَّبوا النبيين من قبله.
﴿فإن كان لكم﴾ أي في هذا اليوم وهو يوم الفصل ﴿كيدٌ﴾ أي حيلة في الخلاص من الهلاك كما كان لكم ما تكيدون به دين الله والمؤمنين ﴿فَكِيدونِ﴾ أي فاحتالوا اليوم وهم يعلمون أن الحيل يومئذ منقطعة وهذا تعجيز لهم وتوبيخ وتقريع فلهذا عقبه بقوله:
﴿ويلٌ يومئذ للمكذبين﴾ أي العذاب الشديد لهؤلاء المكذبين بالبعث والحساب والجزاء وغير ذلك.
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ﴾ أي الذين ءامنوا بالله ورسوله وأدوا الفرائض واجتنبوا المحرمات ﴿في ظلال﴾ جمع ظل وهو ظل الأشجار والقصور ﴿وعيون﴾ أي أنهار تجري خلال أشجار جناتهم من ماء وعسل ولبن وغير ذلك.
﴿وفواكهَ مما يشتهون﴾ أي يأكلون منها كلما اشتهوا فاكهة وجدوها حاضرة فليست فاكهة الجنة مقيدة بوقت دون وقت كما في أنواع فاكهة الدنيا، وفاكهة الجنة بسائر أنواعها موجودة دائمًا وأبدًا وأما فاكهة الدنيا توجد في بعض الأوقات دون بعض.
﴿كلوا﴾ أيها المؤمنون من هذه الفواكه ﴿واشربوا﴾ من هذه العيون كلما اشتهيتم ﴿هنيئًا﴾ أي لا تكدير عليكم ولا تنغيص فيما تأكلونه وتشربون منه ﴿بما كنتم تعملون﴾ أي هذا جزاء بما كنتم في الدنيا تعملون من طاعة الله.
﴿إنَّا كذلكَ نَجزي﴾ أي نثيب ﴿المحسنين﴾ أي أهل الإحسان في طاعتهم إيانا وعبادتهم لنا في الدنيا فلا نضيع في الآخرة أجرهم.
﴿ويلٌ يومئذ للمكذبين﴾ أي ويل للذين يكذبون خبر الله عما أخبرهم به من تكريمه هؤلاء المتقين بما أكرمهم به يوم القيامة.
﴿كلوا وتمتعوا﴾ هذا الخطاب للكفار في الدنيا ﴿قليلًا﴾ أي زمانًا قليلًا، إذ قصارى أكلكم وتمتعكم الموت وهو خطاب تهديد ﴿إنكم مجرمون﴾ أي كافرون مستحقون للعقاب.
﴿ويلٌ يومئذٍ للمكذبين﴾ أي الذين يكذبون بما أعد الله لهم يوم القيامة من العذاب الشديد.
﴿وإذا قيل لهم﴾ لهؤلاء المشركين ﴿اركعوا﴾ أي صلّوا ﴿لا يركعون﴾ أي لا يصلون أي لا يؤمنون ليكونوا من أهل الصلاة.
وقيل إنما يقال لهم ذلك في الآخرة حين يُدْعَوْن إلى السجود فلا يستطيعون. وقيل هذه الآية يخبر الله فيها عن الذين خالفوا أمره ونهيه لا يأتمرون بأمره ولا ينتهون عما نهاهم. أخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله ﴿وإذا قيلَ لهم اركعوا لا يركعون﴾: "نزلت في ثقيف".
﴿ويل يومئذ للمكذبين﴾ أي الذين كذبوا رسل الله فردّوا عليهم ما بلَّغوا من الله إياهم ونهيه بهم.
﴿فبأيّ حديث بعده يُؤمنون﴾ أي إن لم يصدقوا بالقرءان الذي هو المُعجِزُ والدلالة على صدق الرسول عليه السلام فبأي شيء يصدقون.