تفسير سورة الفجر آية 17 إلى 30
﴿كَلا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17)﴾ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿كَلا﴾ رَدْعٌ، وَالْمَعْنَى لَيْسَ الإِكْرَامُ بِالْغِنَى وَلا الإِهَانَةُ بِالْفَقْرِ بَلِ الإِكْرَامُ فِي التَّوْفِيقِ لِلطَّاعَاتِ وَالإِهَانَةُ فِي الْخِذْلانِ وَفِعْلِ الْمَعَاصِي وَالْمُنْكَرَاتِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ﴾ أَيْ لا يُحْسِنُونَ إِلَيْهِ مَعَ غِنَاهُمْ، وَقِيلَ الْمُرَادُ: لا يُعْطُونَ الْيَتِيمَ حَقَّهُ مِنَ الْمِيرَاثِ، وَالْيَتِيمُ هُوَ الصَّغِيرُ الَّذِي مَاتَ أَبُوهُ، وَإِنْ مَاتَ الأَبَوَانِ فَهُوَ لَطِيمٌ، وَإِنْ مَاتَتِ الأُمُ فَقَطْ فَهُوَ عَجِيٌّ، قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ.
﴿وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18)﴾ أَيْ لا يَحُضُّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا عَلَى إِطْعَامِ الْمِسْكِينِ.
﴿وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَّمًّا (19)﴾ قَالَ اللَّيْثُ بنُ نَصْرٍ الْخُرَاسَانِيُّ تِلْمِيذُ الْخَلِيلِ بنِ أَحْمَدَ: اللَّمُّ: الْجَمْعُ الشَّدِيدُ، وَالتُّرَاثُ: الْمِيرَاثُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لا يُورِثُونَ النِّسَاءَ وَلا الصِّبْيَانَ بَلْ يَأْكُلُونَ مِيرَاثَهُمْ مَعَ مِيرَاثِهِمْ.
﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20)﴾ أَيْ كَثِيرًا حَلالُهُ وَحَرَامُهُ مَعَ الْحِرصِ وَالشُّحِ وَالْبُخْلِ، وَالبُخْلُ وَالبَخْلُ وَالبَخَلُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، أَمَّا الْحِرصُ فَهُوَ شِدَّةُ تَعَلُقِ النَّفْسِ لاحْتِوَاءِ الْمَالِ وَجَمْعِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْمُومِ كَالتَّوَصُلِ بِهِ إِلَى التَّرَفُعِ عَلَى النَّاسِ وَالتَّفَاخُرِ وَعَدَمِ بَذْلِهِ إلا فِي هَوَى النَّفْسِ، وَالشُّحُ يُرَادِفُ الْبُخْلَ إلا أَنَّهُ يُخَصُّ بِالْبُخْلِ الشَّدِيدِ، قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ: "وَالْبُخْلُ فِي الشَّرْعِ مَنْعُ الْوَاجِبِ" اهـ. وَذَلِكَ كَالْبُخْلِ عَنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ وَسَدِّ ضَرُورَةِ أَهْلِ الضَّرُورَاتِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
﴿كَلا إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21)﴾ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿كَلا﴾ رَدْعٌ يَتَضَّمَنُ مَعْنَى الإِنْكَارِ عَلَى الْكَافِرِينَ وَتَوَعُّدِهِمْ عَلَى مَا فَرَّطُوا، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿كَلا إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21)﴾ أَيْ زُلْزِلَتْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَانْهَدَمَ كُلُّ بِنَاءٍ عَلَيْهَا وَانْعَدَمَ.
﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)﴾ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ﴾ قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ فِي حَوَادِثِ سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ مَا نَصُّهُ: "وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ عَنْ أَبِي عَمْرِو بنِ السَّمَّاكِ عَنْ حَنْبِلٍ أَنَّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ تَأَوَّلَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ﴾ أَنَّهُ جَاءَ ثَوَابُهُ"، ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: "وَهَذَا إِسْنَادٌ لا غُبَارَ عَلَيْهِ". وَأَقَرَّهُ ابْنُ كَثِيرٍ. وَلا يَخْفَى أَنَّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ مِنْ أَجَلِّ السَّلَفِ، وَقَالَ الْقُرْطُبِبُّي فِي تَفْسِيرِهِ عِنْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الآيَةِ: "قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ﴾ أَيْ أَمْرُهُ وَقَضَاؤُهُ، قَالَهُ الْحَسَنُ الْبِصْرِيُّ التَّابِعِيُّ، وَهُوَ مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمُضَافِ"، ثُمَّ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ مَا نَصُّهُ: "وَاللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لا يُوصَفُ بِالتَّحَوُّلِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ وَأَنَّى لَهُ التَّحَوُّلُ وَالانْتِقَالُ وَلا مَكَانَ لَهُ وَلا أَوَانَ وَلا يَجْرِي عَلَيْهِ وَقْتٌ وَلا زَمَانٌ" انْتَهَى كَلامُهُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ الْحَنْبَلِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ "زَادُ الْمَسِيرِ" عِنْدَ ذِكْرِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ﴾ [سُورَةَ الْبَقَرَة آية 210] إِنَّ الإِمَامَ أَحْمَدَ قَالَ: الْمُرَادُ بِهِ قُدْرَتُهُ وَأَمْرُهُ، قَالَ وَقَدْ بَيَّنَهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ﴾ [سُورَةَ النَّحْل آية 33]، وَقَدْ أَنْكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ الْحَنْبَلِيُّ عَلَى مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمَجِيءَ إِنَّمَا هُوَ بِالذَّاتِ وَقَالُوا (أي المُشبهة) يَجِيءُ بِذَاتِهِ وَيَنْزِلُ بِذَاتِهِ، وَبَيَّنَ بَرَاءَةَ الإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْهُمْ فِي كِتَابِهِ الْمَشْهُورِ "دَفْعُ شُبَهِ التَّشْبِيهِ".
وَالْخُلاصَةُ أَنَّهُ لا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَقَدَ فِي اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْحَرَكَةُ وَالنُّقْلَةُ، وَإِنَّمَا نَصِفُهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ عَلَى الْوَجْهِ اللائِقِ بِهِ تَعَالَى مَعَ التَّنْزِيهِ وَتَرْكِ التَّشْبِيهِ، وَالأَمْرُ كَمَا ذَكَرَ الإِمَامُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ قَالَ: "وَاللَّهُ تَعَالَى لا مَكَانَ لَهُ"، ثُمَّ قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: "إِنَّ الْحَرَكَةَ وَالسُّكُونَ وَالاسْتِقْرَارَ مِنْ صِفَاتِ الأَجْسَامِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَحَدٌ صَمَدٌ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهَذَا كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ﴾ [سُورَةَ النَّحْل آية 26] وَلَمْ يُرِدْ بِهِ إِتْيَانًا مِنْ حَيْثُ النُّقْلَةُ وَإِنَّمَا أَرَادَ إِحْدَاثَ الْفِعْلِ الَّذِي بِهِ خَرِبَ بُنْيَانُهُمُ" اهـ، وَهَذَا وَاضِحٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ.
وَالْخُلاصَةُ أَنَّ مَنْ نَفَى عَنِ السَّلَفِ التَّأْوِيلَ مُطْلَقًا فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِمَا ثَبَتَ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ الَّذِي يَدَّعُونَ الانْتِسَابَ إِلَيْهِ زُورًا وَبُهْتَانًا، وَقَدْ ثَبَتَ التَّأْوِيلُ كَذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَعْيَانِ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ كَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَأَوَّلَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ﴾ [سُورَةَ الذَّارِيَات آية 47] قَالَ بِقُوَّةٍ، وَقَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ﴾ [سُورَةَ الْقَلَم آية 42] قَالَ عَنْ كَرْبٍ وَشِدَّةٍ، وَلَوْ أَرَدْنَا الاسْتِقْصَاءَ لَطَالَ الْبَحْثُ، وَلَمْ نَزِدْ فِي الْبَيَانِ إلا مِنْ ضَرُورَةِ الرَّدِ عَلَى أَتْبَاعِ ابْنِ تَيْمِيَةَ الْحَرَّانِيِّ الَّذِينَ ادَّعَوْا أَنَّ مَنْ لَمْ يُجْرِ الآيَاتِ الْمُتَشَابِهَاتِ عَلَى ظَوَاهِرِهَا فَهُوَ ضَالٌّ فَكَفَّرُوا أَهْلَ الإِسْلامِ وَضَلَّلُوهُمْ وَهُمْ أَوْلَى بِمَا وَصَفُوا بِهِ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، حَيْثُ شَمَلَ تَضْلِيلُهُمْ وَتَكْفِيرُهُمُ الصَّحَابَةَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَعْيَانِ عُلَمَاءِ الإِسْلامِ الَّذِينَ ثَبَتَ عَنْهُمُ التَّأْوِيلُ كَالإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ، وَالْحَمْدُ للَّهِ عَلَى مَا أَنْعَمَ عَلَيْنَا مِنَ اتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَمُجَانَبَةِ الْبِدْعَةِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)﴾ أَيْ يَنْزِلُ مَلائِكَةُ كُلِّ سَمَاءٍ فَيَصْطَفُّونَ صَفًّا بَعْدَ صَفٍّ مُحْدِقِينَ بِالإِنْسِ وَالْجِنِ.
﴿وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ (23)﴾ يُفَسِّرُهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ أَنّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يُؤْتَى بَجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا" وَلَيْسَ كُلُّ النَّارِ يَأْتِي بَلْ جُزْءٌ مِنْهَا يُقَرِّبُهَا الْمَلائِكَةُ لِلنَّاسِ فَيَرَاهَا الْعِبَادُ، فَالأَتْقِيَاءُ لا يَفْزَعُونَ أَمَّا الْكُفَّارُ فَيَكَادُونَ يَمُوتُونَ مِنْ شِدَّةِ الْفَزَعِ عِنْدَ رُؤْيَتِهَا. لَكِنْ هُنَاكَ لا مَوْت.
﴿يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23)﴾ أَيْ أَنَّهُ يَوْمَ يُجَاءُ بِجَهَنَّمَ يَتَذَكَّرُ الْكَافِرُ مَعَاصِيَهُ وَمَا فَرَّطَ فِيهِ. ﴿وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى﴾ هَذَا اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى النَّفْيِ وَالْمَعْنَى أَنَّ تَذَكُّرَهُ ذَلِكَ لا يَنْفَعُهُ.
﴿يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24)﴾ أَيْ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ فِي الْحَيَاةِ الْفَانِيَةِ لِحَيَاتِي الْبَاقِيَةِ.
﴿فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25)﴾ أَيْ لا يُعَذِّبُ أَحَدٌ مِثْلَ عَذَابِ اللَّهِ فِي الآخِرَةِ. وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ لا يُعَذَّبُ بِفَتْحِ الذَّالِ وَالْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا.
﴿وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26)﴾ أَيْ أَنَّ اللَّهَ يُوثِقُ الْكُفَّارَ بِالسَّلاسِلِ وَالأَغْلالِ لا كَوَثَاقِ أَحَدٍ أَحَدًا.
﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27)﴾ قَالَ الْبُخَارِيُّ: ﴿الْمُطْمَئِنَّةُ﴾ الْمُصَدِّقَةُ بِالثَّوَابِ، وَقِيلَ ﴿الْمُطْمَئِنَّةُ﴾ أَيِ الآمِنَةُ وَهِيَ الْمُؤْمِنَةُ الرَّاضِيَةُ بِقَضَاءِ اللَّهِ.
﴿ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ (28)﴾ قَالَ الْحَسَنُ: أَيْ إِلَى ثَوَابِ رَبِّكِ ﴿رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28)﴾ أَيْ رَاضِيَةً بِالثَّوَابِ مَّرْضِيَّةً عِنْدَ اللَّهِ.
﴿فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29)﴾ أَيِ ادْخُلِي فِي جُمْلَةِ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِي.
﴿وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)﴾ أَيْ مَعَ عِبَادِ اللَّهِ الْمُقَرَّبِينَ اهـ.
حِكَايَةٌ عَجِيبَةٌ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ قَالَ: "مَاتَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالطَّائِفِ فَشَهِدْتُ جِنَازَتَهُ فَجَاءَ طَائِرٌ لَمْ يُرَ عَلَى خِلْقَتِهِ وَدَخَلَ فِي نَعْشِهِ فَنَظَرْنَا وَتَأَمَّلْنَاهُ هَلْ يَخْرُجُ، فَلَمْ يُرَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ نَعْشِهِ، فَلَمَّا دُفِنَ تُلِيَتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ لا يُدْرَى مَنْ تَلاهَا: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)﴾"، قَالَ الذَّهَبِيُّ: "فَهَذِهِ قَضِيَّةٌ مُتَوَاتِرَةٌ وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ عِلْمُهُ أَيِ الطَّائِرَ الأَبْيَضَ".