الله عالم بكل شىء قبل حصوله
الله تعالى يعلم بعلمهِ الأزلي كلَّ شىءٍ، يَعلَم ما كانَ وما يكون وما لا يكون قال تعالى: ﴿ وَهُوَ بِكُلِّ شَىءٍ عَلِيمٌ ﴾ [سورة الحديد آية 3]. وعلم الله لا يتغير، لا يزيد ولا ينقص وكذلك كل صفاته لا تتغير فالتغير من صفات الخلق. ونسبة التغير إلى الله فيه تشبيه لله بخلقه وهذا مخرج من الإسلام.
وأما قول اللهُ تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنّكُمْ حَتّـٰى نَعْلَمَ المُجَـٰهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصّـٰبِرِينَ ﴾[سورة محمد آية 31] فمَعنَاهُ: أنّ اللهَ يبتلي عبادَه حتى يُظهِرَ ويُمَيِّزَ لعبادِه مَنْ هو الصّادقُ المجاهِدُ الذي يَصبِرُ على المشَقّاتِ، ومَنْ هو غيرُ الصّادقِ الذي لا يَصبِر، وليسَ معناهُ أن اللهَ لم يكُنْ عالما مَنْ يُجاهِدُ ويصبِرُ فيبتلي النّاسَ لينكشِفَ له ذلك، ليسَ هذا المعنى، فاللهُ لا يَخفَى عن عِلمِهِ شىء. الله تعالى يَعلَمُ بعلمِهِ الأزليّ كلّ شىء، يَعلمُ ما كانَ وما يكونُ وما لا يكون وعلمه لا يتغير. قال تعالى: ﴿ وَأنّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَىءٍ عِلمًا ﴾[سورة الطلاق آية 12].
فعِلْمُ الغيبِ جميعهِ خاصٌ بالله تعالى، أما بعضُ الغيب فإن الله يُطلِعُ عليه بعضَ خَلقِهِ وهُمُ الأنبياءِ والأولياءِ. قال تعالى: ﴿ قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّـهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)﴾ [سورة النمل آية 65]
ويكفر من يقول إنَّ الرسولَ يعلم كلَّ شىءٍ يَعلَمهُ الله، لأنه جعل الرسولَ مُساويًا لله في صفة العلم. إنَّ من المقرَّر بين الموَحّدين أنّ الله تعالى لا يساويه خلقُه بصفةٍ من صفاته. قال تعالى: ﴿ قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّـهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿(188)﴾[سورة الأعراف آية 188]
وأما قولُهُ تعالى: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ﴾ [سورة الجن ءاية 26 و 27] فمعناه أنَّ الذي ارتضاه الله من رسول يجعل له رصداً أي حفظةً يحفظونه من بين يديه ومن خلفه من الشيطان. فإلا في ﴿إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ﴾ ليست استثنائية بل هي بمعنى لكن، فيُفْهَمُ من الآية أنَّ علمَ الغيب جميعِهِ خاصٌ بالله تعالى، فلا يتطرّق إليه الاستثناء، فتكونُ الإضافةُ في قوله تعالى {عَلَى غَيْبِهِ} للعموم والشمول من باب قولهم المفردُ المضافُ للعموم، فيكون معنى غيبِه أي جميع غيبِه، وليس المعنى أنَّ اللهَ يُطْلِعُ على غيبِه مَنْ ارتضَى مِنْ رسول.
قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّـهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)﴾[سورة لقمان آية 34]