تفسير سورة الهمزة

أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَن ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ كَانَ أُمَيَّةُ بنُ خَلَفٍ إِذَا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَزَهُ وَلَمَزَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ السُّورَةَ كُلَّهَا وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (1)﴾ الْوَيْلُ مَعْنَاهُ الْخِزْيُّ وَالْعَذَابُ وَالْهَلَكَةُ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ﴾ فَالْهُمَزَةُ الْمَشَّاءُ بِالنَّمِيمَةِ الْمُفَرِّقُ بَيْنَ الإِخْوَانِ، رَوَاهُ سَعِيدُ بنُ مَنْصُورٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ الرَّاغِبُ: اللَّمْزُ: الِاغْتِيَابُ وَتَتَبُّعُ الْمَعَابِ، ثُمَّ قَالَ وَرَجُلٌ لَمَّازٌ وَلُمَزَةٌ كَثِيرُ اللَّمْزِ.

﴿الَّذِي جَمَعَ مَالا وَعَدَّدَهُ (2)﴾ قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفُ وَرَوْح ﴿جَمَّعَ﴾ بِالتَّشْدِيدِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ وَعَدَّدَهُ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ وَقَرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمٰنِ السُّلَمِيُّ وَالْحَسَنُ وَابْنُ يَعْمَرَ وَعَدَدَهُ بِتَخْفِيفِهَا فَمَنْ قَرَأَهَا بِالتَّشْدِيدِ فَمَعْنَاهُ أَعَدَّهُ لِمَا يَكْفِيهِمْ فِي السِّنِين وَمَنْ قَرَأَ بِالتَّخْفِيفِ فَالْمُرَادُ مَنْ جَمَعَ الْمَالَ وَأَحْصَى عَدَدَهُ وَفَاخَرَ بِكَثْرَتِهِ، وَالْمَقْصُودُ الذَّمُّ عَلَى إِمْسَاكِ الْمَالِ عَنْ سَبِيلِ الطَّاعَةِ.

﴿يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3)﴾ أَيْ يَظُنُّ مِنْ جَهْلِهِ أَنَّ مَالَهُ مَانِعٌ لَهُ مِنَ الْمَوْتِ فَهُوَ يَعْمَلُ عَمَلَ مَنْ لا يَظُنُّ أَنَّهُ يَمُوتُ.

﴿كَلا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4)﴾ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿كَلا﴾ فِيهَا رَدٌّ لِمَا تَوَهَّمَهُ الْكَافِرُ وَرَدْعٌ لَهُ عَنْ حُسْبَانِهِ فَإِنَّهُ لا يُخَلِّدُهُ مَالُهُ بَلْ وَلا يَبْقَى لَهُ فَقَدْ يَرِثُهُ مَنْ يُحِبُّهُ وَقَدْ يَرِثُهُ مَنْ يَكْرَهُهُ. وَقَوْلُهُ ﴿لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ﴾ أَيْ لَيُطْرَحَنَّ وَلَيُلْقَيَنَّ فِي الْحُطَمَةِ، وَهُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ جَهَنَّمَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُحَطِّمُ مَا يُلْقَى فِيهَا أَيْ تَكْسِرُهُ فَهِيَ تُهَشِّمُ الْعَظْمَ بَعْدَ أَنْ تَأْكُلَ اللَّحْمَ. وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمٰنِ وَالْحَسَنُ وابْنُ أَبِي عَبْلَةَ لَيُنْبَذَانّ بِأَلِفٍ مَمْدُودَةٍ وَبِكَسْرِ النُّونِ وَتَشْدِيدِهَا أَيْ هُوَ وَمَالُهُ

﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5)﴾ هَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ لِشَأْنِهَا وَالتَّفْخِيمِ لِأَمْرِهَا.

﴿نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6)﴾ أَيِ الْمُسَعَّرَةُ.

﴿الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ (7)﴾ يَعْنِي أَنَّهَا تَدْخُلُ فِي أَجْوَافِهِمْ فَتَأْكُلُ اللَّحْمَ وَالْجُلُودَ حَتَّى تَصِلَ إِلَى صُدُورِهِمْ وَتَبْلُغَ إِلىَ أَفْئِدَتِهِمْ وَهِيَ أَوْسَاطُ الْقُلُوبِ فَتُحْرِقَهَا وَلا شَىْءَ فِي بَدَنِ الإِنْسَانِ أَلْطَفُ مِنَ الْفُؤَادِ وَلا أَشَدُّ تَأَلُمًا مِنْهُ بِأَدْنَى أَذَى يَمَسُّهُ فَكَيْفَ إِذَا اسْتَوْلَتْ عَلَيْهِ نَارُ جَهَنَّمَ.

﴿إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُّوصَدَةٌ (8)﴾ أَيْ مُطْبِقَةٌ فَالْكُفَّارُ يَائِسُونَ مِنَ الْخُرُوجِ مِنَ النَّارِ.

﴿فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ (9)﴾ أَيْ مُوصَدَةٍ بِعَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ، أَيْ أُحْكِمَ إِيصَادُهَا وَإِغْلاقُهَا بِهَذِهِ الْعَمَدِ وَهِيَ أَوْتَادُ الأَطْبَاقِ الَّتِي تُطْبَقُ عَلَى أَهْلِ النَّارِ فَتُشَدُّ تِلْكَ الأَطْبَاقُ بِالأَوْتَادِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ: «وَالْعَمَدُ: جَمْعُ عَمُود». وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: «وَالْعَمُودُ كُلُّ مُسْتَطِيلٍ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَدِيدٍ»، فَتُوصَدُ أَبْوَابُ النَّارِ عَلَيْهِمْ ثُمَّ تُشَدُّ بِأَوْتَادٍ مِنْ حَدِيدٍ حَتَّى يَرْجِعَ عَلَيْهِمْ غَمُّهَا وَحَرُّهَا، نَسْأَلُ اللَّهَ النَّجَاةَ مِنْهَا ءَامِين. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَعَاصِمٌ إلا حَفْصًا عُمُدٍ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالْمِيمِ.