تنزيه الله عن مشابهة الخلق

يقول الله تعالى: ﴿ واللّهُ خَلَقَكُم وما تَعْمَلُونَ ﴾ [سورة الصافات آية 96]. يجب الإيمان بالله وهو إثبات وجوده تعالى على ما يليق به وأنّه خالق العالم ، فهو خالق الأجسام الكثيفة كالإنسان والسّماوات والأرض والأجسام اللّطيفة كالنّور والظّلام والرّوح والملائكة وهو خالق صفات الأجسام كذلك كالحركة والسّكون والرّوائح والطّعوم والنّوايا والخواطِر. والله لا يشبه شىء من خلقه فلا يشبه الأجسام الكثيفة ولا الأجسام اللّطيفة ولا يوصف بصفات الأجسام فلا يوصف بالحركة والسّكون والجهة والمكان واللّون والتّغير والانفعال والاستقرار والجلوس. الله خالق المكان والزمان وهو موجود قبل الزمان والمكان بلا مكان وبعد أن خلق المكان لم يتغير عما كان. فالتغير من صفات المخلوقين

أما رفع الأيدي إلى السّماء فلأنّها قبلة الدّعاء ومهبط الرَّحمات، فالله موجود قبل السّماء والعرْش وقَبْلَ جميع المخلوقات فلا يسكن السّماء وﻻ العرشَ ولَيْسْ في كلّ مكان بل هو مَوْجُودٌ بِلاَ كَيْفٍ وَلاَ مَكَان وﻻ يجري عليه زمان. قال الشيخ فخر الدين بن عساكر (ت620 هـ) : «موجودٌ قبل الخلقِ، ليس له قبلٌ ولا بعدٌ، ولا فوقٌ ولا تحتٌ، ولا يَمينٌ ولا شمالٌ، ولا أمامٌ ولا خلفٌ، ولا كلٌّ، ولا بعضٌ. ولا يقالُ متى كانَ ولا أينَ كانَ ولا كيفَ، كان ولا مكان، كوَّنَ الأكوانَ ودبَّر الزمانَ، لا يتقيَّدُ بالزمانِ ولا يتخصَّصُ بالمكان، ولا يشغلُهُ شأنٌ عن شأن، ولا يلحقُهُ وهمٌ، ولا يكتَنِفُهُ عقلٌ، ولا يتخصَّصُ بالذهنِ، ولا يتمثلُ في النفسِ، ولا يتصورُ في الوهمِ، ولا يتكيَّفُ في العقلِ، لا تَلحقُهُ الأوهامُ والأفكارُ، (لَيْسَ كَمِثلِهِ شَىءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)».

الله سبحانه وتعالى غنـيٌّ عن العالمين أي مستغنٍ عن كل ما سواه أزلاً وأبداً فلا يحتاج تعالى إلى جهةٍ ولا إلى مكانٍ يقوم به أو شىءٍ يَحُلّ به، ولا يحتاج تعالى إلى مُخصّصٍ له بالوجود لأنَّ الاحتياج ينافي الألوهية، والله سبحانه وتعالى هو الإله الذي أوجد هذا العالم كله ، والعالم كلُّه بحاجة إلى الله تعالى ليحفظ عليه وجودَه، فالله تبارك وتعالى هو خالقُ السَّمـوات السبع والأرضين والعرش والكرسي وخالق الأماكن كلها، لذلك لا يجوزُ أن يُعتقد أنَّ الله تعالى موجودٌ في مكانٍ أو في كل الأمكنة أو أنَّه موجودٌ في السَّماء أو مُتمكِّنٌ وجالس على العرش أو مُنبثٌّ ومنتشر في الفضاء أو أنَّه قريبٌ مناَّ أو بعيدٌ بالمسافة، تعالى الله سبحانه وتعالى، وتنـزَّه عن هذه الكيفيات كلها، لأنَّه تعالى موجود بلا كيفٍ ولا مكان.

ويكفي في تنـزيه الله تعالى عن المكان والحيز والجهة قوله تعالى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ﴾ [سورة الشورى آية 11] فلو كان لله تعالى مكانٌ وجِهةٌ لكانَ له أمثالٌ وأبعادٌ طولٌ وعرضٌ وعمقٌ، ومن كانَ كذلك كان مُحدَثاً مَخلوقاً مَحدوداً مُحتاجاً لِمن حدَّه بِهذا الطولِ والعرضِ والعُمق.

يقولُ الإمام عليٌ رضي الله عنه : «كَانَ اللَّهُ وَلاَ مَكَانَ وَهُوَ الآنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ». ويقول أيضاً في تنـزيه الله عن الجلوس : «إنَّ الله خَلَقَ العَرْشَ إِظْهَارًا لِقُدْرَتِهِ وَلَمْ يَتَّخِذهُ مَكَاناً لِذَاتِهِ». رواه أبو منصور البغدادي في كتابه الفرق بين الفرق.

يقول الإمامُ الكبيرُ أحمد الرفاعي رضي الله عنه الذي كان من كبار العلماء وأولياء الله العارفين والصوفية الصادقين عبارةً عظيمةً جامعةً في توحيد الله عز وجل وتنـزيهه عن مشابَهة المخلوقات : " غَايَةُ الْمَعْرِفَةِ بِاللهِ الإِيقَانُ بِوُجُودِهِ تَعَالَى بِلاَ كَيْفٍ وَلاَ مَكَان " فهذه العبارة تحتوي على معان عظيمة في التوحيد والعقيدة ، فهي تفيد أنَّ معرفة الله تعالى تكون بالاعتقاد الجازم بالقلب أنَّ الله تبارك وتعالى موجود لا شك في وجوده ، فهو تعالى لا بداية ولا نِهاية لوجودِه. موجودٌ أزلاً وأبداً لا يفنى ولا يموت ، وهو الذي أَوجَدَ بقُدرته هذا العالم بأسره العلويَّ والسفليَّ والعرشَ والكرسيَّ والسَّمواتِ والأرض وما فيهما وما بينهما ، وتفيد هذه العبارة العظيمة أيضاً أنَّ الله سبحانه وتعالى موجودٌ بلا كيفٍ ولا مكان.