فضل علم الدّين والعمل به
قال الله تعالى : ﴿يأيُّـهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ﴾ [سورة التحريم]. وقد جاء في تَفسيرِ هذه الآية أنَّ وِقَايَةَ النَّفسِ والأهلِ من عَذابِ النّار تكونُ بِتَعَلُّمِ علوم الدين . وأهمُّ هذه العلوم هو عِلمُ التوحيد لأنّه يتعلَّقُ بِمعرفة الله ورسوله.
اعلم أنه يجب على كل مكلّف أن يتعلم من علم الدين قدرًا لا يستغني عنه كل فرد من المكلّفين، وهو ينقسم إلى علم العقيدة وعلم الأحكام.
قال الله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ [سورة الزمر]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « طَلَبُ العِلْمِ فَرِيضَةٌ على كُلِّ مُسْلِمٍ » رواه البيهقي. فهذا دليل على أن الجهل ليس عذرا وأن النية وحدها لا تكفي لصحة العمل.
فمن الواجب على المكلّف معرفته واعتقاده من أمور العقيدة: الإيمان بالله وبما جاء عن الله، والإيمان برسول الله وبما جاء عن رسول الله، كمعرفة الشهادتين وصفات الله الواجب معرفتها وتنزيهه تعالى عمّا لا يليق به ونحو ذلك، وتصديق الرسول محمد بكل ما جاء به عن الله من أخبار الأمم السابقة والأشياء التي تحصل في البرزخ ويوم القيامة أو تحليل شىء أو تحريمه ونحو ذلك، ومعرفة الأشياء التي تخرج من الإسلام كأنواع الكفر كي يجتنبه. ومن الواجب معرفته من الأحكام: معرفة أحكام الصلاة من شروط وأركان ومبطلات والطهارة ونحو ذلك.
مطالعة الكتب بدون تعلُّم لا تكفي
وهذه الأمور لا تؤخذ بالمطالعة من الكتب، لأنه قد يكون في هذه الكتب التي يطالعها الشخص دسٌّ وافتراء على الدين، أو قد يفهم منها أشياء على خلاف ما هي عليه عند السلف والخلف على ما تناقلوه جيلٌ عن جيل من الأمّة فيؤدي عبادة فاسدة، أو يقع في تشبيه الله بخلقه والتمثيل والكفر والضلال. وعلى كلّ فليس ذلك سبيل التعلّم الذي نهَجَه السلف والخلف، قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي أحد كبار المحدّثين: "لا يؤخذ العلم إلا من أفواه العلماء".
إذًا لا بدّ من تعلّم أمور الدين من عارف ثقة يكون أخذ عن ثقة وهكذا إلى الصحابة، قال بعض السلف: "الذي يأخذ الحديث من الكتب يسمّى صَحَفيًّا والذي يأخذ القرءان من المصحف يسمّى مصحفيًّا ولا يسمّى قارئًا"، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، إنما العلم بالتعلّم والفقه بالتفقّه » رواه البخاري [أخرجه البخاري في صحيحه: كناب العلم: باب العلم قبل القول والعمل].
وروى مسلم عن ابن سيرين أنه قال: « إن هذا العلمَ دينٌ فانظروا عمّن تأخذون دينكم » [صحيح مسلم: المقدمة: باب بيان أن الإسناد من الدين، وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات، وأن جرح الرواة بما هو فيهم جائز بل واجب وأنه ليس من الغيبة المحرمة، بل من الذبّ عن الشريعة المكرمة].
قال رسول الله صل الله عليه وسلم: « يَا أبا ذَر لأن تَغدُوَ فَتَتَعَلَّمَ ءايَة مِن كِتَاب الله خَيْرٌ لَكَ مِن أَن تُصَلّيَ مِائةَ رَكْعَةٍ ولأن تَغدُوَ فَتَتَعَلَّمَ بَاباً مِن العِلمِ خَيْرٌ لَكَ مِن أَن تُصَلّيَ أَلفَ رَكْعَةٍ » رواه ابن ماجه.