حرمة الانتحار
لم يقلُ أحدٌ من أهلِ العلم أنه يجوِّز لمسلم قتلُ نفسه بسببِ فقره أو اعتراضًا على حكومتهِ لظلمِها، إنّما هو قتلُ نَفْسٍ بغَيرِ حقٍّ عَمْدًا ولا يخرُجُ عن كَونِهِ انتِحَارًا مُحرّماً لا عُذرَ له في شَرْعِ الله تعالى. وحُكمُ مَن استَحسَنَ هذا الفِعلَ أو استَحَلّهُ أنّه كَذّبَ القُرءَانَ والحَدِيثَ قال الإمام النَسَفىّّ وَرَدُّ النصوصِ كفرٌ. وليتّقِ اللهَ بعضُ المشايخِ الذينَ يُفتُونَ على الفضائيات بخلافِ ما أنزلَ الله.
لا يجوزُ للإنسانِ أن يُزهِقَ نفسَهُ لأي سَبَبٍ كانَ قالَ تعالى {ولا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُم إنّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيمًا}، واللهُ تعالىَ أعطىَ الإنسانَ هذه النعم وأمرهُ بالمحافظة على هذا الجَسد، إذ هوَ وديعة يَجبُ أن يَرعاهُ ويصونه ويحفظهُ من كل ما يَخدشهُ أو يوردهُ المَهالك أو يؤثرَ فيه، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [النساء:29، 30]. فهذه الآيات فيها نَهي للمؤمنين أن يَقتُلَ بعضهم بَعضًا، ونهيٌ لكلِ واحدٍ منهم أن يَعتديَ على نفسهِ بالقضاءِ عليها وإزهاقها، إذ هيَ ليستْ مِلكًا له، واعتداءُ الإنسانِ على نفسهِ بقتلِها جريمةٌ كبرى يَترتبُ عليها العقاب الأليم والوعيد الشديد الذي جاءت به النصوص الشرعية التي بَينت أنه من المحرمات ومن أعظم الكبائر.
روى أبو هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « منْ َقتلَ نفسَه ُبحديدةٍ فحَديدَته ُفي يَدهِ يَتَوَجَّأُ بِِها في بَطنِهِ فيّ نارِ جَهنَم َخالدًا مُخَلدًا فيها أبدًا، ومنْ تَحَسَّىَ سُمًا فقتلَ نفَسَه فسمُّه ُفي يَدهِ يَتحَسَّاهُ في نارِ جهنَمَ خَالِدًا مُخلدًا فيها أبدًا، ومنْ تَردَىَ منْ جَبَلٍ فقتلَ نفسَه ُفهوَ يَترَدَىَ فيّ نارِ جَهنَمَ خالدًا مُخلدًا فيها أبدًا » [يخلد في النّار إن استحلّ هذا الفعل وكان كافرا أصلا]، رواهُ البخاري ومسلم. وقال رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم « ومَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَىءٍ في الدّنيا عُذِّبَ بهِ يومَ القيامَة » رَوَاهُ البُخَارِيّ ومسلم. فدلَّ هذانِ الحديثان على أنَّ من أقدمَ على قتلِ نفسهِ بارتكابِ أحد الأفعال الواردة في هذا الحديث أو ما كانَ في معناها فإن عقوبَته العذاب في جَهنمَ بنفسِ الفعل الذي أجهَزَ بهِ على نفسِه ِ، فمن ألقىَ نفسَه ُمن مكانٍ عالٍ مرتفع أو موقعٍ شاهقٍ أو ضَربَ نفسَه ُبَحديدةٍ كالسيفِ أو السكينِ أو المُسدسِ أو نحو ذلك أو تناولَ مادة من الموادِ السَامّةِ القاتلةِ فأدىَ ذلكَ كله إلى مَوتِه فإنه ُيُعذَبُ في النّارِ بفعلتِه الشنعاء التي أقدمَ عليها. وظاهرُ هذا الحَديث يَدلُ على خلودِه في النارِ وبقائِه فيها مُعذبًا أبدَ الآبدينَ وهذا علىَ تأويلٍ للعلماءِ وتفصيلٍ منهم فقد ثبتَ أنَّ المُسلم لا يُكفَرُ بالذَنب ما لمْ يَستَحِلهُ ولا يَخْلد في النار إن ماتَ مُسلماً فكانَ معنى قوله عليه السلام « فهوَ في َنارِ جَهَنَمَ خَالدًا مُخلدًا فيها أبدا » محمولٌ على أنه استحَلَ قتلَ نفسِه فهوَ كافرٌ مُعانِد ٌ للشريعَةِ مُكذِبٌ للنصُوصِِ القُرآنيةِ، وأمّا من قتلَ نفسَه ُوهوَ لا يَستَحِلُ ذلكَ فهوَ مُسِلمٌ عَاصٍ يُرجىَ له ُعندَ اللهُ مَغفرةٍ وتوبَة ولو عُذبَ لابُدَ أن يَخرُجَ منّ النارِ ولا يَخلد ُ فيها إذ المُقررُ عندَ أهلِ السُنة قاطبة انه ُلا يَخلدُ في النارِ من ماتَ على الإيمان وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام « يَخرُجُ منَّ النارِ منْ قالَ لا إلهَ إلاّ الله وفي قلبِهِ وزنُ ذَرَةٍ من إيمَانْ ».