تفسير سورة القيامة آية 1 إلى 16

﴿لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1)﴾ أي أقسم بيوم القيامة وهو اليوم الذي فيه البعث والحشر وغير ذلك من أمور الآخرة، أقسم الله تعالى بيوم القيامة تعظيمًا لشأنه. وقرأ ابن كثير: "لأُقسِمُ" بغير ألف بعد اللام.

﴿وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)﴾ أي أقسم بالنفس اللوامة، والنفس اللوامة هي التي تلوم صاحبها في ترك الطاعة ونحوها فهي على هذا ممدوحة ولذلك أقسم الله بها، وقال بعضهم: هي التي تلوم نفسها على ما فات وتندم على الشر لِمَ فعلته وعلى الخير لِمَ لَمْ تستكثر منه.

﴿أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3)﴾ أي أيظن ﴿الإنسان﴾ أي الكافر المكذب والمنكر للبعث، وقال ابن عباس: يريد أبا جهل ﴿ألَّن نجمع عظامه﴾ أي بعد تفرقها ورجوعها رميمًا ورفاتًا مختلطة بالتراب وبعد ما نسفتها الريح فطيرتها في أباعد الأرض.

﴿بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4)﴾ أي بلى نقدر على جمعها، وذَكَرَ العظام وإن كان المعنى إعادةَ الإنسان وجمعَ أجزائه المتفرقة لأن العظام هي قالب الخَلْق لا يستوي إلا باستوائها ﴿قادرين﴾ على جمعها وعلى أعظم من ذلك ﴿على أن نسوِّيَ بنانه﴾ وهي أصابع يديه ورجليه فنجعلها شيئًا واحدًا كخفّ البعير أو حافر الحمار فكان لا يأخذ ما يأكله إلا بفيه -أي فمه- كسائر البهائم ولكنه فرق أصابع يديه يأخذ بها ويتناول ويقبض إذا شاء ويبسط، وقيل في الآية إشارة إلى اختلاف بصمات أصابع الناس مع تشابه الأصابع.

﴿بَلْ يُرِيدُ الإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5)﴾ أي أن الإنسان إنما يريد شهواته ومعاصيه ويدوم على فجوره فيما يستقبله من الزمان لا يثنيه عنها شيء ولا يتوب منها أبدًا، ويسوّف التوبة قال ابن عباس: "سوف أتوب سوف أعمل"، رواه البخاري. والأمام ظرف مكان استعير هنا للزمان، وقيل: يكذب الكافر بما أمامه من البعث والحساب.

﴿يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6)﴾ أي متى يوم القيامة، وسؤاله هذا استهزاء وتكذيب وتعنت.

﴿فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7)﴾ أي شَخص بصر الكافر يوم القيامة فلا يَطرِْفُ لما يرى من العجائب التي كان يكذب بها في الدنيا. وقرأ أهل المدينة: "بَرَقَ" بفتح الراء، والباقون بكسرها.

﴿وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8)﴾ أي أظلم وذهب ضوؤه.

﴿وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9)﴾ أي يجمع بينهما في ذهاب الضوء، وقيل: يجمع بينهما في الطلوع من المغرب فيطلعان أسودين مكوَّرين وقيل يجمعان فيلقيان في النار.

﴿يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10)﴾ أي الكافر المكذب بالآخرة ﴿يومئذ﴾ أي يوم القيامة لما يعاين أهوالها ويريد أن يفر ﴿أين المفر﴾ أي أين الفرار.

﴿كَلاَّ لا وَزَرَ (11)﴾ ردع عن طلب الفرار ﴿لا وزر﴾ أي لا شيء يلجأ إليه من جبل أو حصن أو رجل أو غيره.

﴿إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12)﴾ أي إلى حكمه ومشيئته ﴿يومئذ المستقر﴾ أي مستقرهم أي موضع قرارهم من جنة أو نار.

﴿يُنَبَّؤُاْ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13)﴾ أي يُخبَر ﴿الإنسان﴾ أي ابن ءادم برًّا كان أو فاجرًا ﴿يومئذ بما قدّم وأخر﴾ أي بما أسلف من عمل سيء أو صالح، أو أخَّرَ من سنَّة سيئة أو صالحة يُعْمَل بها بعده.

﴿بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)﴾ أي شاهد، وهو شهود جوارحه عليه: يداه بما بطش بهما ورجلاه بما مشى عليهما وعيناه بما أبصر بهما، وقيل في تفسير الآية غير ذلك.

﴿وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)﴾ الإلقاء هنا بمعنى القول ﴿معاذيره﴾ أي أعذاره، والمعنى: لو اعتذر بالقول وجاء بكل معذرة يعتذر بها عن نفسه بأنه هو الشاهد عليها والحجة البينة عليها.

﴿لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16)﴾ هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي لا تحرك يا محمد ﴿به لسانك﴾ أي بالقرءان ﴿لتعجل به﴾ أي بالقرءان، أخرج البخاري عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي حَرَّك به لسانه يريد أن يحفظه، فأنزل الله ﴿لا تحرك به لسانكَ لتعجلَ بهِ﴾. رواه البخاري في صحيحه: كتاب التفسير: باب فإذا قرأناه فاتبع قرءانه.