تفسير سورة الغاشية آية 1 إلى 16

﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)﴾ أَيْ قَدْ جَاءَكَ يَا مُحَمَّدُ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ، وَ﴿هَلْ﴾ بِمَعْنَى "قَدْ" قَالَهُ قُطْرُب، وَالْغَاشِيَةُ هِيَ الْقِيَامَةُ تَغْشَى النَّاسَ بِالأَهْوَالِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاس، وَقَالَ سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ: هِيَ النَّارُ تَغْشَى وُجُوهَ الْكُفَّارِ.

﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2)﴾ أَيْ تَكُونُ وُجُوهُ الْكُفَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ذَلِيلَةً بِالْعَذَابِ.

﴿عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ (3)﴾ قَالَ القرْطُبِيُّ: وَهَذَا فِي الدُّنْيَا لانَّ الآخِرَةَ لَيْسَتْ دَارَ عَمَلٍ، وَ﴿نَّاصِبَةٌ﴾ أَيْ تَعِبَةٌ أَتْعَبُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الدُّنْيَا عَلَى الْكُفْرِ وَمَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَالْمُرَادُ كُلُّ الْكُفَّارِ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ﴿خَاشِعَةٌ﴾ فِي النَّارِ ﴿عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ﴾ فِي النَّارِ وَذَلِكَ بِمُعَالَجَةِ السَّلاسِلِ وَالأَغْلالِ وَخَوْضِهَا فِي النَّارِ كَمَا تَخُوضُ الإِبِلُ فِي الْوَحْلِ.

﴿تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4)﴾ أَيْ أَنَّ الْكُفَّارَ يُقَاسُونَ حَرَّ النَّارِ، قَالَهُ الْخَلِيلُ. وَيُقَالُ: صَلَيْتُ الشَّاةَ: شَوَيْتُهَا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَوْقِدَ عَلَى النَّارِ أَلْفُ سَنَةٍ حَتَّى احْمَرَّتْ، ثُمَّ أَوْقِدَ عَلَيْهَا أَلْفُ سَنَةٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ، ثُمَّ أَوْقِدَ عَلَيْهَا أَلْفُ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. اللَّهُمَ أَجِرْنَا مِنَ النَّارِ.

﴿تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ ءَانِيَةٍ (5)﴾ قَالَ الْحَسَنُ: مِنْ عَيْنٍ قَدْ ءَانَ حَرُّهَا.

﴿لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إلا مِنْ ضَرِيعٍ (6)﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: الضَّرِيعُ نَبْتٌ ذُو شَوْكٍ لاصِقٍ بِالأَرْضِ تُسَمِّيهِ قُرَيْشٌ الشِّبْرِق إِذَا كَانَ رَطْبًا، فَإِذَا يَبِسَ فَهُوَ الضَّرِيعُ لا تَرْعَاهُ الْبَهَائِمُ لِخُبْثِهِ، قَالَ الْمُفَّسِرُونَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّ إِبِلَنَا لَتَسْمَنُ عَلَى الضَّرِيعِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7)﴾ وَهَذَا فِيهِ تَكْذِيبٌ لِلْمُشْرِكِينَ.

﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ (8)﴾ أَيْ مُتَنَعِّمَةٌ ذَاتُ نِعْمَةٍ وَنَضَارَةٍ.

﴿لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9)﴾ أَيْ رَضِيَتْ لِعَمَلِهَا فِي الدُّنْيَا بِالطَّاعَةِ إِذْ كَانَ ذَلِكَ الْعَمَلُ جَزَاؤُهُ الْجَنَّةَ.

﴿فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10)﴾ أَيْ مَكَانًا وَمَكَانَةً، قَالَ النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ: أَنْشَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الشِّعْرَ فَأَعْجَبَهُ:

بَلَغْنَا السَّمَاءَ مَجْدُنَا وَسَنَاؤُنَا   وَإِنَّا لَنَرْجُو فَوْقَ ذَلِكَ مَظْهَرَا

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِلَى أَيْنَ الْمَظْهَرُ يَا أَبَا لَيْلَى ؟" قُلْتُ: إِلَى الْجَنَّةِ، قَالَ: "أَجَلْ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى".

﴿لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً (11)﴾ قَالَ قَتَادَةُ: لا يُسْمَعُ فِيهَا بَاطِلٌ وَلا مَأْثَمٌ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ.

﴿فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12)﴾ أَيْ بِالْمَاءِ، وَأَرَادَ عُيُونًا لانَّ الْعَيْنَ اسْمُ جِنْسٍ وَالْعُيُونُ الْجَارِيَةُ هُنَاكَ كَثِيرَةٌ.

﴿فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ (13)﴾ أَيْ عَالِيَةٌ فِي الْهَوَاءِ وَذَلِكَ لأَجْلِ أَنْ يَرَى الْمُؤْمِنُ إِذَا جَلَسَ عَلَيْهَا جَمِيعَ مَا أَعْطَاهُ رَبُّهُ فِي الْجَنَّةِ مِنَ النَّعِيمِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ سُرُرٌ أَلْوَاحُهَا مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَةٌ بِالزَّبَرْجَدِ وَالدُّرِ وَالْيَاقُوتِ مُرْتَفِعَةٌ فِي السَّمَاءِ، والسُّرُرُ: جَمْعُ سَرِيرٍ.

﴿وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ (14)﴾ الْكُوبُ: كُوزٌ مُسْتَدِيرُ الرَّأْسِ لا أُذُنَ لَهُ، وَجَمْعُهَا أَكْوَابٌ، وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ عَلَى حَافَّاتِ الْعُيُونِ مُعَدَّةٌ لِشُرْبِهِمْ.

﴿وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15)﴾ فِي الْقَامُوسِ: النُّمْرُقُ وَالنُّمْرُقَةُ: الْوِسَادَةُ الصَّغِيرَةُ، وَجَمْعُهَا نَمَارِقُ أَيْ وَسَائِدُ صُفَّ بَعْضُهَا إِلَى جَنْبِ بَعْضٍ لِلاسْتِنَادِ إِلَيْهَا وَالاتِّكَاءِ عَلَيْهَا.

﴿وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16)﴾ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالزَّرَابِيُّ: النَّمَارِقُ وَالْبُسُطُ، أَوْ كُلُّ مَا بُسِطَ وَاتُّكِئَ عَلَيْهِ الْوَاحِدُ زِرْبِيّ بِالْكَسْرِ وَيُضَمُّ، وَهَذِهِ الْبُسُطُ عِرَاضٌ فَاخِرَةٌ كَثِيرَةٌ مُتَفَرِّقَةٌ هُنَا وَهُنَاكَ فِي الْمَجَالِسِ. اللَّهُمَّ أَدْخِلْنَا الْجَنَّةَ.