تفسير سورة الإخلاص آية 4

وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ 4 - وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ وَلَمْ يُكَافِئْهُ أَحَدٌ أَيْ: لَمْ يُمَاثِلْهُ سَأَلُوهُ أَنْ يَصِفَهُ لَهُمْ فَأَوْحَى إِلَيْهِ مَا يَحْتَوِي عَلَى صِفَاتِهِ (تَعَالَى) فَقَوْلُهُ: "هُوَ اللَّهُ" إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ خَالِقُ الْأَشْيَاءِ وَفَاطِرُهَا وَفِي طَيِّ ذَلِكَ وَصْفُهُ بِأَنَّهُ قَادِرٌ عَالِمٌ لِأَنَّ الْخَالِقَ يَسْتَدْعِي الْقُدْرَةَ وَالْعِلْمَ لِكَوْنِهِ وَاقِعًا عَلَى غَايَةِ إِحْكَامٍ وَاتِّسَاقٍ وَانْتِظَامٍ وَفِي ذَلِكَ وَصْفُهُ بِأَنَّهُ حَيٌّ لِأَنَّ الْمُتَّصِفَ بِالْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ حَيًّا وَفِي ذَلِكَ وَصْفُهُ بِأَنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ مُرِيدٌ مُتَكَلِّمٌ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَوْصُوفًا بِهَا لَكَانَ مَوْصُوفًا بِأَضْدَادِهَا وَهِيَ نَقَائِصُ وَذَا مِنْ أَمَارَاتِ الْحَدَثِ فَيَسْتَحِيلُ اتِّصَافُ الْقَدِيمِ بِهَا وَقَوْلُهُ: "أَحَدٌ" وَصْفٌ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَنَفْيِ الشَّرِيكِ وَبِأَنَّهُ الْمُتَفَرِّدُ بِإِيجَادِ الْمَعْدُومَاتِ وَالْمُتَوَحِّدُ بِعِلْمِ الْخَفِيَّاتِ وَقَوْلُهُ: "اَلصَّمَدُ" وَصْفٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ إِلَّا مُحْتَاجًا إِلَيْهِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ إِلَّا مُحْتَاجًا إِلَيْهِ فَهُوَ غَنِيٌّ لَا يَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ وَيَحْتَاجُ إِلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ وَقَوْلُهُ: "لَمْ يَلِدْ" نَفْيٌ لِلشَّبَهِ وَالْمُجَانَسَةِ وَقَوْلُهُ: "وَلَمْ يُولَدْ" نَفْيٌ لِلْحُدُوثِ وَوَصْفٌ بِالْقِدَمِ وَالْأَوَّلِيَّةِ وَقَوْلُهُ: "وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ" نَفْيٌ أَنْ يُمَاثِلَهُ شَيْءٌ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ نَفْيَ الْكُفْءِ - وَهُوَ الْمِثْلُ فِي الْمَاضِي لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ لِلْحَالِ وَالْكُفَّارُ يَدَّعُونَهُ فِي الْحَالِ - فَقَدْ تَاهُ فِي غَيِّهِ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيمَا مَضَى لَمْ يَكُنْ فِي الْحَالِ ضَرُورَةً إِذِ الْحَادِثُ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِلْقَدِيمِ وَحَاصِلُ كَلَامِ الْكَفَرَةِ يَؤُولُ إِلَى الْإِشْرَاكِ وَالتَّشْبِيهِ وَالتَّعْطِيلِ وَالسُّورَةُ تَدْفَعُ الْكُلَّ كَمَا قَرَّرْنَا وَاسْتَحْسَنَ سِيبَوَيْهِ تَقْدِيمَ الظَّرْفِ إِذَا كَانَ مُسْتَقِرًّا أَيْ: خَبَرًا لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ قُدِّمَ لِيُعْلَمَ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ أَنَّهُ خَبَرٌ لَا فَضْلَةٌ وَتَأْخِيرَهُ إِذَا كَانَ لَغْوًا أَيْ: فَضْلَةً لِأَنَّ التَّأْخِيرَ مُسْتَحَقٌّ لِلْفَضْلَاتِ وَإِنَّمَا قُدِّمَ فِي الْكَلَامِ الْأَفْصَحِ لِأَنَّ الْكَلَامَ سِيقَ لَنَفْيِ الْمُكَافَأَةِ عَنْ ذَاتِ الْبَارِئِ - سُبْحَانَهُ - وَهَذَا الْمَعْنَى مَصَبُّهُ وَمَرْكَزُهُ هَذَا الظَّرْفُ فَكَانَ الْأَهَمُّ تَقْدِيمَهُ وَكَانَ أَبُو عَمْرٍو يَسْتَحِبُّ الْوَقْفُ عَلَى "أَحَدٌ" وَلَا يَسْتَحِبُّ الْوَصْلَ قَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ: عَلَى هَذَا أَدْرَكْنَا الْقُرَّاءَ وَإِذَا وَصَلَ نَوَّنَ وَكَسَرَ أَوْ حَذَفَ التَّنْوِينَ كَقِرَاءَةِ: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ "كُفْئًا" بِسُكُونِ الْفَاءِ وَالْهَمْزَةِ " حَمْزَةُ وَخَلَفٌ " "كُفْوًا" مُثَقَّلَةٌ غَيْرُ مَهْمُوزَةٍ " حَفْصٌ " اَلْبَاقُونَ: مُثَقَّلَةٌ مَهْمُوزَةٌ وَفِي الْحَدِيثِ: " مَنْ قَرَأَ سُورَةَ (اَلْإِخْلَاصِ) فَقَدْ قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ" لِأَنَّ الْقُرْآنَ يَشْتَمِلُ عَلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَذِكْرِ صِفَاتِهِ وَعَلَى الَأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَعَلَى الْقِصَصِ وَالْمَوَاعِظِ وَهَذِهِ السُّورَةُ قَدْ تَجَرَّدَتْ لِلتَّوْحِيدِ وَالصِّفَاتِ فَقَدْ تَضَمَّنَتْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ وَفِيهِ دَلِيلُ شَرَفِ عِلْمِ التَّوْحِيدِ وَكَيْفَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ وَالْعِلْمُ يَشْرُفُ بِشَرَفِ الْمَعْلُومِ وَيَتَّضِعُ بِضَعَتِهِ ؟! وَمَعْلُومُ هَذَا الْعِلْمِ هُوَ اللَّهُ وَصِفَاتُهُ وَمَا يَجُوزُ عَلَيْهِ وَمَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ فَمَا ظَنُّكَ بِشَرَفِ مَنْزِلَتِهِ وَجَلَالَةِ مَحَلِّهِ؟! اَللَّهُمَّ احْشُرْنَا فِي زُمْرَةِ الْعَالِمِينَ بِكَ الْعَامِلِينَ لَكَ الرَّاجِينَ لِثَوَابِكَ الْخَائِفِينَ مِنْ عِقَابِكَ الْمُكَرَّمِينَ بِلِقَائِكَ وَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا يَقْرَأُ "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" فَقَالَ: "وَجَبَتْ" فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَبَتْ؟ قَالَ: "وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ".

﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)﴾ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: «كَذَّبَنِي ابْنُ ءَادَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، أَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ أَنْ يَقُولَ إِنِّي لَنْ أُعِيدَهُ كَمَا بَدَأْتُهُ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ أَنْ يَقُولَ: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا وَأَنَا الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُوًا أَحَدٌ».

قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْح الْبَارِي: «وَلَمَّا كَانَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَاجِبَ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ قَدِيمًا مَوْجُودًا قَبْلَ وُجُودِ الأَشْيَاءِ وَكَانَ كُلُّ مَوْلُودٍ مُحْدَثًا انْتَفَتْ عَنْهُ الْوَالِدِيَّةُ، وَلَمَّا كَانَ لا يُشْبِهُهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ وَلا يُجَانِسُهُ حَتَّى يَكُونَ لَهُ مِنْ جِنْسِهِ صَاحِبَةٌ فَتَتَوَالَدُ انْتَفَتْ عَنْهُ الْوَلَدِيَّةُ وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ﴾ [سُورَةَ الأَنْعَام]»، انْتَهَى كَلامُ ابْنِ حَجَرٍ.

فَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾ نَفْيٌ لِلْمَادِّيَّةِ وَالانْحِلالِ وَهُوَ أَنْ يَنْحَلَّ مِنْهُ شَىْءٌ أَوْ أَنْ يَحُلَّ هُوَ فِي شَىْءٍ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ قَالَ الْحَافِظُ: «وَمَعْنَى الآيَةِ أَنَّهُ لَمْ يُمَاثِلْهُ أَحَدٌ»، فَاللَّهُ تَعَالَى لا نَظِيرَ لَهُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَالْكُفْءُ: الْمَثِيلُ.

وَقَرَأَ حَمْزَةُ: «كُفْؤًا» بِسُكُونِ الْفَاءِ وَبِهَمْزٍ فِي الْوَصْلِ وَيُبْدِلُهَا وَاوًا فِي الْوَقْفِ مَفْتُوحَةً.

تفسير القرآن الكريم تفسير النسفي تفسير قرآن أهل السنة والجماعة تفسير قرآن كامل تفسير سورة الإخلاص آية 4