الله لا يخفى عليه شىء. وظيفة الملائكة الحفظة. تفسير سورة الرعد آية 8-11

بسم الله الرحمن الرحيم

الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمين لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهَ الْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الحَسَن صَلَوَاتُ اللَّهِ البَرِّ الرَّحيم وَالملائِكَةِ المُقَرَّبين عَلى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ أشْرَفِ الْمُرْسَلين وَخَاتَمِ النَّبِيين وَحَبيبِ رَبِّ العَالَمين وَعَلَى جَميعِ إخْوَانِهِ مِنَ النَّبيينَ وَالمُرْسَلين وَءَالِ كُلٍّ وَالصَّالِحين وَسَلامُ اللهِ عَلَيْهِم أجْمَعين

يقولُ اللهُ تباركَ وتعالى: ﴿اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَىْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ {8} عَالِمُ الْغَيْبِ وَالْشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ {9} سَوَآءٌ مِّنْكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِالَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ {10} لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ {11}﴾ [سورة الرعد].

إنَّ اللهَ تعالى مُتَّصِفٌ بعِلْمٍ أزلِيٍّ أبديٍّ كسائرِ صفاتِهِ لا يَقبلُ الزيادَةَ والنقصَان، حتى أنفاسُ أهلِ الجنَّةِ في الجنّةِ وأهلِ النّارِ في النّار يعلَمُها لا تَخفَى عليهِ خافِية، وهوَ سبحانَهُ وتعالى يَعلَمُ ما تَحمِلُهُ كلُّ أنثَى مِنْ ولَدٍ على أيِّ حالٍ هو مِنْ ذُكورَةٍ وأنوثةٍ وتَمَامٍ وخِدَاجٍ [أي الذي ليسَ له مِشيَةٌ سليمة] وحُسْنٍ وقُبحٍ وطولٍ وقِصَرٍ وغيرِ ذلكَ.

ويعلَمُ ﴿مَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ﴾ أي تُنقِصُهُ الأرحَام ﴿وَمَا تَزْدَادُ﴾ أي يعلَمُ عدَدَ الوَلَدِ فيها فإنها تَشتَمِلُ على واحِدٍ واثنينِ وثلاثَةٍ وأربَعَةٍ ويعلَمُ هل جَسَدُ الوَلَدِ يكونُ تامًّا أو مُخْدَجًا ويَعلَمُ مُدَّةَ حَملِهِ في بطنِ أمِّهِ فإنها تكونُ أقلَّ مِنْ تِسعَةِ أشهُرٍ وأزيدَ عليها إلى أربَعِ سنينَ عندَ الشَّافعيِّ رَحِمَه الله.

وكلُّ شىءٍ يجري في هذهِ الدُّنيا والآخِرَةِ فهوَ بِمشيئةِ الله يَجري ويَحصُل ويكون لا يُجاوِزُ ذلكَ ولا يَنقُصُ عنه لقولِهِ تعالَى: ﴿إنَّا كَلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾.

وهو سبحانَهُ يعلَمُ ما غابَ عَنِ الخلقِ وما شاهدوه، وهو سبحانَهُ أكبرُ مِنْ كلِّ كبيرٍ قَدْرًا وعَظَمَةً فهوَ العظيمُ الشَّأنِ الذي كلُّ شىءٍ دونَهُ، المُستعلِي على كلِّ شىءٍ بقُدرتِهِ الذي تنزَّهَ عن صِفاتِ المخلوقين.

ويعلَمُ بِحَالِ ﴿مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ﴾ أي مُتوَارٍ باللَّيلِ ومَنْ هو ﴿سَارِبٌ بِالنَّهَارِ﴾ أي ذاهبٌ فيه فِي سَرْبِهِ أي في طريقِهِ ووَجهِهِ.

وله سبحانَهُ ﴿مُعَقِّبَات﴾ أي جَماعاتٌ مِنَ الملائكَةِ تَعتَقِبُ في حِفظِهِ فَهُم يَحفظونَنا بإذنِ الله إلا مِمّا كتَبَ الله أن يُصيبَنا، ولولا هؤلاءِ الملائكةُ الحَفَظةُ للَعِبَ بنا الجِنُّ كما يُلعَبُ بالكُرَةِ لأنهم يرونَنا مِنْ حيثُ لا نراهُم، وهؤلاءِ الملائكةُ يتعاقبونَ علينا عندَ الفجرِ يَنزِلُ جَماعةٌ منهم ثم في ءاخرِ النهارِ يصعَدون ويَنزِلُ الآخرون وهكذا يَعقُبُ بعضُهُم بعضًا يقولُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يتعاقبونَ فيكُم ملائكةٌ باللَّيلِ وملائكةٌ بالنَّهار يَجتمعونَ في صلاةِ الفجرِ وصلاةِ العصر ثُم يَعرُجُ الذينَ باتوا فيكم فيسألُهُم ربُّهم وهو أعلَمُ بهم كيفَ تركتم عِبادي فيقولون تركناهُم وهم يُصلّون وأتيناهم وهم يُصلّون" [رواهُ البخاريُّ ومسلم من حديثِ أبي هُريرة]. وبعضُ الملائكةِ الذينَ وكِّلوا بنا وكِّلوا بكتابَةِ ما نتكلّمُ به ثم يُمحى الكلامُ المباحُ وتُثْـبَتُ الْحسناتُ والسيئات. والملائكةُ الحَفَظَةُ يَحفظونَ العبدَ مِنْ بينِ يدَيه أي قُدّامِهِ ومِنْ خلفِهِ أي وراءِهِ ﴿يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ أي مِنْ أجلِ أمرِ الله أي مِنْ أجلِ أنَّ الله تعالى أمرَهُم بِحِفظِهِ فسبحانَ اللهِ القدير الذي أنعمَ علينا بِنِعَمٍ لا نُحصيها.

اللهم اجعلنا هُداةً مَهديين واغفر لنا ذنوبنا

اللهم إنا نسألُكَ العفوَ والعافيةَ في الدنيا والآخرة يا أرحمَ الراحِمين

وَالحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين

تفسير سورة الرعد وعظ مواعظ دينية هدي القرآن تفسير قرآن دروس دينية