تفسير سورة البقرة من آية 114 إلى 116

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

من تفسير الإمام النسفي (ت 710 هـ) مدارك التنزيل وحقائق التأويل:

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَـاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} المعنَى : أيُّ أحَدٍ أَظْلَمُ ؟

بمعنى مَنَعَها كَراهةَ أنْ يُذكَرَ، وهوَ حُكمٌ عَامٌّ لجِنْسِ مَسَاجِدِ اللهِ وأنّ مَانِعَها مِن ذِكْرِ اللهِ مُفْرِطٌ في الظُّلْم.

والسَّبَبُ فِيهِ طَرْحُ النّصَارَى في بَيتِ المقْدِس الأَذَى ، ومَنْعُهُمُ النَّاسَ أنْ يُصَلُّوا فِيهِ ، أو مَنْعُ الْمُشرِكِينَ رَسولَ اللهِ أنْ يَدخُلَ المسجِدَ الحَرامَ عَامَ الحُدَيْبِيَةِ.

وإنّما قِيلَ مَسَاجِدَ اللهِ وكَانَ الْمَنْعُ علَى مَسْجِدٍ واحِدٍ وهوَ بَيتُ الْمَقدِس أو المسجِدُ الحَرامُ لأنّ الحُكمَ وَرَدَ عَامًّا وإنْ كانَ السَّبَبُ خَاصًّا والمنزُولُ فيهِ الأَخْنَسُ بنُ شُرَيقٍ.

{وَسَعَى فِى خَرَابِهَآ} بانقِطَاعِ الذِّكْرِ، والمرَادُ بـ مَنْ العُمُومُ كَمَا أُرِيدَ العُمُومُ بمَسَاجِدِ الله.

{أُولَـئِكَ} الْمَانِعُونَ

{مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ} أيْ مَا كَانَ يَنبَغِي لهم أنْ يَدخُلُوا مَسَاجِدَ اللهِ

{إِلا خَآئِفِينَ} أيْ على حَالِ التّهَيُّبِ وارْتِعَادِ الفَرائِصِ مِنَ المؤمنِينَ أنْ يَبطِشُوا بِهم فَضلًا أنْ يَسْتَولُوا عَلَيها ويَلُوهَا ويَمنَعُوا المؤمنِينَ مِنهَا.

والمعنى: مَا كانَ الحَقُّ إلا ذَلكَ لَولا ظُلْمُ الكَفَرَةِ وعُتُوُّهُم.

رُوِيَ أنّهُ لا يَدخُلُ بَيتَ المقدِس أحَدٌ مِنَ النّصَارَى إلا مُتَنكّرًا خِيْفَةَ أن يُقتَلَ. (هَذا قَبلَ الصّحَابَةِ لَمّا كَانَتِ اليَهُودُ مُستَولِيَةً على بَيتِ الْمَقدِسِ وهَذا قَبْلَ البِعْثَةِ ثمّ بَعدَما كانَتِ اليَهُودُ مُستَولِيَةً على بَيتِ المقدِس قَبلَ البِعثَةِ وكَانَتِ النّصَارَى لا تَدخُلُ بَيتَ المقدِس مُجَاهِرِينَ حَطّمَ بُختَ نَصَّر اليَهُودَ وخَرّبَ بَيتَ الْمَقدِس ثم عَادُوا قَبلَ البِعثَةِ بزَمَنٍ إلى بَيتِ المقدسِ وكانَ بَعضُ النّصَارَى مَعَهُم، ثم جاءَ عُمَرُ الشّامَ فصَالَح نَصَارَى بَيت المقدِس على الجِزْيَة ثم بَقِيَ بَيتُ المقدِس بأَيْدِي المسلِمِينَ إلى القَرنِ الرّابِع ثم دَخَلَتِ الإفرَنْج ثم أخرَجَهُم صَلاحُ الدّين)

وقَالَ قَتَادَةُ : لا يُوجَدُ نَصرَانيّ في بَيتِ المقْدِس إلّا بُولِغَ ضَربًا.

ونَادَى رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: "أَلَا لا يَحُجَّنَّ بَعدَ هَذا العَامِ مُشرِكٌ" متفق عليه.

وقيلَ : مَعنَاهُ النَّهيُ عن تَمكِينِهِم مِنَ الدُّخُولِ والتّخْلِيَةُ بَينَهُم وبَينَه.

{لَهُمْ فِى الدُّنْيَا خِزْىٌ} قَتْلٌ وسَبْيٌ لِلحَربيّ وذِلَّةٌ بضَرْبِ الجِزْيَةِ لِلذِّمّيّ

{وَلَهُمْ فِى الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة : 114] أي النّارُ.

{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} أي بِلادُ الْمَشرِق والمغرِب كُلُّها لهُ وهوَ مَالِكُهَا ومُتَوَلّيْهَا

{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوْا} أي فَفِي أيِّ مَكَانٍ فَعَلتُمُ التَّولِيَةَ يَعني تَولِيَةَ وُجُوهِكُم شَطْرَ القِبْلَةِ بدَلِيلِ قَولِه تَعالى: {شَطْرَهُ} ،

{فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} أي جِهَتُه التي أَمَرَ بِها ورَضِيَهَا.

والمعنى أنَّكُم إذَا مُنِعتُم أنْ تُصَلُّوا في المسِجِد الحَرامِ أو في بَيتِ المقدِس فقَدْ جُعِلَتْ لَكُمُ الأَرضُ مَسجِدًا فَصَلُّوا في أيِّ بُقعَةٍ شِئتُم مِن بِقَاعِهَا وافْعَلُوا التَّولِيَةَ فِيهَا ، فإنَّ التّولِيَةَ مُمكِنَةٌ في كُلِّ مَكَان.

{إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة : 115] أي هوَ واسِعُ الرَّحمَةِ يُريدُ التَّوسِعَةَ على عِبَادِه وهوَ عَلِيمٌ بمَصَالحِهِم.

وعنِ ابنِ عُمرَ رضيَ اللهُ عَنهُمَا : نَزَلَتْ في صَلاةِ الْمُسَافِرِ على الرّاحِلَةِ أَيْنَمَا تَوَجَّهَتْ.

وقِيلَ : عَمِيَتِ القِبْلَةُ على قَومٍ فَصَلَّوا إلى أَنْحَاءَ مُختَلِفةٍ ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا تَبَيَّنُوا خَطَأَهُم فَعُذِرُوا.

وقِيلَ : فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا لِلدُّعَاءِ والذِّكْرِ.

{وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} يُرِيدُ الذينَ قَالُوا المسِيحُ ابنُ الله وعُزَيرٌ ابنُ الله.

فَإثْبَاتُ الوَاوِ باعْتِبَارِ أنّهُ قِصَّةٌ مَعطُوفَةٌ على مَا قَبْلَها ،

{سُبْحَـانَهُ} تَنزِيهٌ لهُ عن ذَلكَ وتَبعِيدٌ

{بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَـاوَاتِ وَالأرْضِ} أي هوَ خَالِقُه ومَالِكُه ومِن جُملَتِه المسِيحُ وعُزَيرٌ والوِلادَةُ تُنَافي الْمُلْك.

{كُلٌّ لَّهُ قَـانِتُونَ} [البقرة : 116] مُنقَادُونَ لا يَمتَنِعُ شَىءٌ مِنهُم على تَكوِينِه وتَقدِيرِه.

سني أهل السنة دروس دينية إسلامية ثقافة إسلامية تفسير قرآن تفسير سورة البقرة تفسير النسفي منافقين يهود أهل كتاب