تفسير سورة البقرة آية 139 - 140 - 141 - 142

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

من تفسير الإمام النسفي (ت 710 هـ) مدارك التنزيل وحقائق التأويل:

{ قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِى اللَّهِ } أي أتُجَادِلُونَنَا في شَأنِ اللهِ واصْطِفَائِه النّبيَّ مِنَ العَرَبِ دُونَكُم وتَقُولُونَ لَو أَنْزَلَ اللهُ على أحَدٍ لأَنْزَلَ عَلَينَا وتَرَونَكُم أحَقَّ بالنُّبُوّةِ مِنَّا

{ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ } نَشْتَرِكُ جَمِيعًا في أنَّنَا عِبَادُه، وهوَ رَبُّنَا وهوَ يُصِيبُ برَحمَتِه وكَرَامَتِه مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِه

{ وَلَنَآ أَعْمَـالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَـالُكُمْ } يَعني أنَّ العَمَلَ هوَ أَسَاسُ الأَمْرِ وكَمَا أنّ لَكُم أعمَالًا فلَنَا كَذَلِكَ

{ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ } [البقرة : 139] أيْ نَحنُ لهُ مُوَحِّدُونَ نَخُصُّهُ بالإيمانِ وأَنتُم بهِ مُشرِكُونَ ، والْمُخلِصُ أَحْرَى بالكَرَامَةِ وأَوْلَى بالنُّبُوّةِ مِن غَيرِه.

{ أَمْ تَقُولُونَ } وأَمْ علَى هَذا مُعَادِلَةٌ لِلهَمزَةِ في أَتُحَاجُّونَنَا يَعني أيَّ الأَمْرَينِ تَأتُونَ  الْمُحَاجَّةَ في حُكْمِ اللهِ أمِ ادّعَاءَ اليَهُودِيَّةِ والنَّصرَانيّةِ على الأنبيَاء ؟ أو مُنقَطِعَةٌ أيْ بَل أَتَقُولُونَ { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَـاعِيلَ وَإِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ وَالاسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَـارَى } ثمّ أَمَرَ نَبِيَّهُ علَيهِ السَّلامُ أنْ يَقُولَ مُستَفهِمًا رَادًّا علَيهِم بقَولِه  { قُلْ ءَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ } يَعني أنّ اللهَ شَهِدَ لَهم بمِلَّةِ الإسلامِ في قَولِه : { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا }

{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَـادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ } أيْ كَتَمَ شَهَادَةَ اللهِ التي عِندَهُ أنّهُ شَهِدَ بِها وهيَ شَهادَةُ اللهِ لإبراهِيمَ بالحَنِيفِيَّةِ.

والمعنى أنّ أَهلَ الكِتَابِ لا أَحَدَ أَظْلَمُ مِنهُم لأنَّهم كَتَمُوا هَذِه الشَّهَادَةَ وهُم عَالِمُونَ بها ، أو أنّا لَو كَتَمْنَا هَذه الشّهَادَةَ لم يَكُنْ أَحَدٌ أَظْلَمُ مِنّا فَلا نَكتُمُهَا. وفيهِ تَعرِيضٌ بكِتْمَانِهم شَهادَةَ اللهِ لمحَمَّدٍ علَيهِ السَّلامُ بالنُّبُوّةِ في كُتُبِهِم وسَائِرَ شَهَادَاتِهِ.
 
{ وَمَا اللَّهُ بِغَـافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } [البقرة : 140] مِنْ تَكذِيبِ الرُّسُل وكِتمَانِ الشَّهَادَةِ.

{ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْـاَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ }(141) كُرِّرَت لِلتّأكِيدِ، أو لأنّ المرادَ بالأوّلِ الأنبيَاءُ علَيهِمُ السّلامُ وبالثّاني أَسْلَافُ اليَهُودِ والنّصَارَى.

{ سَيَقُولُ السُّفَهَآءُ مِنَ النَّاسِ }  الخِفَافُ الأحلَام، فأَصْلُ السَّفَهِ الخِفَّةُ ، وهُمُ اليَهُودُ لِكَراهَتِهِمُ التَّوَجُّهَ إلى الكَعبَةِ وأنّهم لا يرَونَ النَّسْخَ ، أو المنَافِقُونَ لِحرصِهم على الطَّعْنِ والاستِهزَاءِ ، أو المشركونَ لقَولهم " رَغِبَ عَن قِبلَةِ آبَائِه ثم رَجَع إليهَا واللهِ لَيَرجِعَنَّ إلى دِيْنِهِم ".

وفَائدَةُ الإخبَارِ بقَولِهم قَبلَ وُقُوعِهِ تَوطِينُ النَّفْسِ إذِ المفَاجأَةُ بالمكرُوهِ أشَدُّ ، وإعْدَادُ الجَوابِ قَبْلَ الحَاجَةِ إليهِ أَقْطَعُ لِلخَصْمِ فقَبْلَ الرَّمْيِ يُرَاشُ السَّهْمُ. (أيْ يُلزَقُ علَيهِ الرِّيْشُ)

{ مَا وَلّاهُمْ } مَا صَرَفَهُم

{ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِى كَانُوا عَلَيْهَا } يَعنُونَ بَيتَ المقدِس.

والقِبلَةُ الجِهَةُ التي يَستَقبِلُها الإنسَانُ في الصّلاةِ لأنّ المصَلّي يُقَابِلُهَا

{ قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ } أيْ بِلادُ المشرِق والمغربِ والأرضُ كُلُّها لهُ

{ يَهْدِى مَن يَشَآءُ } مِن أَهْلِهَا

{ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [البقرة : 142] طَرِيقٍ مُسْتَوٍ.

أيْ يُرشِدُ مَن يَشَاءُ إلى قِبْلَةِ الحَقِّ وهيَ الكَعبَةُ التي أُمِرْنَا بالتَّوَجُّهِ إلَيهَا ، أو الأَماكِنُ كُلُّها للهِ فيَأمُرُ بالتَّوَجُّهِ إلى حَيثُ شَاءَ فتَارَةً إلى الكَعبَةِ وطَورًا إلى بَيتِ الْمَقدِسِ لا اعتِرَاضَ علَيهِ لأنّهُ الْمَالِكُ وَحْدَهُ.

سني أهل السنة دروس دينية إسلامية ثقافة إسلامية تفسير قرآن تفسير سورة البقرة تفسير النسفي