تفسير سورة القارعة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

سُورَةُ الْقَارِعَةِ مَكِّيَّةٌ بِالإِجْمَاعِ وَءَايَاتُهَا إِحْدَى عَشْرَةَ ءَايَةً

وَيُقَدَّرُ مُتَعَلَّقُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ فِعْلا أَوِ اسْمًا فَالْفِعْلُ كَأَبْدَأُ وَالاسْمُ كَابْتِدَائِي. وَكَلِمَةُ "اللَّه" عَلَمٌ عَلَى الذَّاتِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ الْمُسْتَحِقِّ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ، وَهُوَ غَيْرُ مُشْتَقٍّ.

الرَّحْمٰنُ مِنَ الأَسْمَاءِ الْخَاصَّةِ بِاللَّهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ شَمِلَتْ رَحْمَتُهُ الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ الَّذِي يَرْحَمُ الْمُؤْمِنِينَ فَقَطْ فِي الآخِرَةِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ [سُورَةَ الأَعْرَاف آية 156]، وَالرَّحِيمُ هُوَ الَّذِي يَرْحَمُ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [سُورَةَ الأَحْزَاب آية 43]، وَالرَّحْمٰنُ أَبْلَغُ مِنَ الرَّحِيمِ لأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْبِنَاءِ تَدُلُّ عَلَى الزِّيَادَةِ فِي الْمَعْنَى.

بسم الله الرحمن الرحيم

الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿الْقَارِعَةُ (1)﴾ أَيِ الْقِيَامَةُ وَالسَّاعَةُ وَذَلِكَ أَنَّهَا تَقْرَعُ قُلُوبَ الْخَلائِقِ بِأَهْوَالِهَا وَأَفْزَاعِهَا، وَالْقَرْعُ: الضَّرْبُ بِشِدَّةِ.

﴿مَا الْقَارِعَةُ (2)﴾ هَذَا اسْتِفْهَامٌ الْمُرَادُ بِهِ التَّهْوِيلُ.

﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3)﴾ وَهَذَا اسْتِفْهَامٌ عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ وَالتَّفْخِيمِ لِشَأْنِهَا لِلتَّخْوِيفِ.

﴿يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4)﴾ أَيْ تَكُونُ الْقَارِعَةُ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: «﴿كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ﴾ كَغَوْغَاءِ الْجَرَادِ يَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضًا كَذَلِكَ النَّاسُ يَجُولُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ» اهـ. وَغَوْغَاءُ الْجَرَادِ صِغَارُهُ قَالَ عِزُّ الدِّينِ بنُ عَبْدِ السَّلامِ: شَبَّهَ تَهَافُتَ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ بِتَهَافُتِ الْفَرَاشِ فِيهَا، وَالْمَبْثُوثُ: الْمُتَفَرِّقُ الْمُنْتَشِرُ.

﴿وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5)﴾ قَالَ الْبُخَارِيُّ ﴿كَالْعِهْنِ﴾: كَأَلْوَانِ الْعِهْنِ، قَالَ الرَّاغِبُ: الْعِهْنُ: الصُّوفُ الْمَصْبُوغُ، أَيْ أَنَّ الْجِبَالَ تَصِيرُ كَالصُّوفِ الَّذِي يُنْفَشُ بِالْيَدِ أَيْ تَصِيرُ هَبَاءً وَتَزُولُ.

﴿فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6)﴾ بِأَنْ رَجَحَتْ كَفَّةُ حَسَنَاتِهِ عَلَى كَفَّةِ سَيِّئَاتِهِ.

﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (7)﴾ أَيْ مَرْضِيَّةٍ، وَالْمُرَادُ فِي الْجَنَّةِ.

﴿وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8)﴾ بِأَنْ رَجَحَتْ كَفَّةُ السَيِّئَاتِ عَلَى كَفَّةِ الْحَسَنَاتِ. أَمَا الْكَافِرُ فَلا حَسَنَاتِ لَهُ فِي الآخِرَةِ، فَلَيْسَ لَهُ إلا كَفَّةُ السَيِّئَاتِ.

﴿فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9)﴾ قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ مَصِيرُهُ إِلَى النَّارِ فَهُوَ يَهْوِي فِي جَهَنَّمَ مَعَ بُعْدِ قَعْرِهَا، وَأُمُّهُ: مُسْتَقَرُّهُ وَمَسْكَنُهُ إِذْ لا مَأْوَى وَلا مَسْكَنَ لَهُ غَيْرُهَا، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لانَّ الأَصْلَ السُّكُونُ إِلَى الأُمَّهَاتِ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ أُمُّ رَأْسِهِ هَاوِيَةٌ يَعْنِي أَنَّهُ يَهْوِي فِي النَّارِ عَلَى رَأْسِهِ.

﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10)﴾ يَعْنِي بِذَلِكَ الْهَاوِيَةَ وَالأَصْلُ: مَا هِيَ، وَأُدْخِلَتِ الْهَاءُ لِلسَّكْتِ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَيَعْقُوبُ مَا هِيَ بِحَذْفِ الْهَاءِ الأَخِيرَةِ فِي الْوَصْلِ وَإِثْبَاتِهَا فِي الْوَقْفِ وَقَرَأَ الْبَاقُون َبِإِثْبَاتِهَا فِي الْحَالَيْنِ قَالَ الزَّجَاجُ الْهَاءُ فِي هِيَهْ دَخَلَتْ فِي الْوَقْفِ لِتَبْيينِ فَتْحَةِ الْيَاءِ فَالْوَقْفُ هِيَهْ وَالْوَصْلُ هِيَ نَارٌ.

﴿نَارٌ حَامِيَةٌ (11)﴾ أَيْ نَارٌ شَدِيدَةُ الْحَرارَةِ بَلَغَتِ النِّهَايَةَ.

سني أهل السنة دروس دينية إسلامية ثقافة إسلامية تفسير قرآن تفسير سورة القارعة تفسير جزء عم يتساءلون تفسير سورة قارعة تفسير القارعة