تفسير سورة يس من الآية 41 إلى الآية 47

الحمدُ للهِ ربّ العالمين لهُ النِعْمَةُ وَلَهُ الفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الحَسَن

صَلَوَاتُ اللهِ البَرّ الرَّحيم والملائِكَةِ الْمُقرَّبينَ عَلَى سَيّدِنَا مُحَمَّدٍ أشْرَفِ الـمُرسَلِين وحَبِيبِ رَبّ العَالمين

وعلى جميعِ إخوانِهِ مِنَ النَّبِيّينَ والـمُرسَلِين وَءَالِ كُلّ والصَّالِحين وسلامُ اللهِ عليهم أجمعين

يقولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى ﴿وَءَايَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِيَتَهُمْ فِي الفُلْكِ الـمَشْحُونِ {41} وَخَلَقْنَا لَهُم مّنْ مّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ {42} وَإِنْ نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ {43} إِلَّا رَحْمَةً مّـــنَّــا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ {44} وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُواْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {45} وَمَا تَأتِيهِم مّن ءَايَةٍ مّنْ ءَايَاتِ رَبّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ {46} وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قَالَ الَّذينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَآءُ اللهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ {47}﴾

إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُول

﴿وَءَايَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِيَتَهُمْ فِي الفُلْكِ الـمَشْحُونِ﴾ أَي المملوء، وَالـمُرَادُ بِالذُّرِيةِ الأولاد وَمَن يَهُمُّهُم حَمْلُه. وَكَانُوا يَبْعَثُونَهُم للتّجَارَاتِ فِي بَرّ أَوْ بَحْر. أَوِ الآبَاءُ لأنَّهَا مِنَ الأضْدَاد. والفُلْكُ عَلَى هَذَا سَفِينَةُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَام هذَا عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِم. وَقِيلَ مَعْنَى حَمْلِ اللهِ ذُرِيَّاتِهِم فِيهَا أَنَّهُ حَمَلَ فِيهَا ءَابَاءَهُمُ الأقدَمِين وَفِي أَصْلَابِهِم هم وَذُرِيَّاتُهُم. فالذُّرِيَةُ هَنَا الآبَاءُ لِأَنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى الأولادِ وَالآبَاء لِأَنَّ هَذَا البَشَرَ  مِن ذُرِيَةِ ثَلَاثَةٍ مِن أَبْنَاءِ نُوح. وَإنَّمَا ذَكَرَ ذُرّيَّاتِهِم دُونَهُم لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الامتِنَانِ عَلَيْهِم، جَاءَت حَمَلْنَا ذُرِيَّاتِهِم بَدَل حَمَلْنَاهُم لِأَنَّ هذَا أَبْلَغ

﴿وَخَلَقْنَا لَهُم مّنْ مّثْلِهِ﴾ مِنْ مِثْلِ الفُلك

﴿مَا يَرْكَبُونَ﴾ مِنَ الإبْل وَهِي سَفَائِنُ البَرّ

﴿وَإِنْ نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ﴾ فِي البَحْر

﴿فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ﴾ فَلَا مُغِيثَ لَهُم، أَوْ فَلَا إِغَاثَةَ لَهُم. فالصَّرِيخُ يَأتِي عَلَى مَعْنَيَيْن الـمُنقِذِ وَالإنقَاذ

﴿وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ﴾ لَا يُنْجَوْن

﴿إِلَّا رَحْمَةً مّـــنَّــا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ﴾ أَي وَلَا يُنْقَذُونَ إِلَّا لِرَحْمَةٍ مِنَّا وَلِتَمتِيعٍ بِالحَيَاةِ إِلَى انقِضَاءِ الأجَل فَهُمَا مَنصُوبَانِ عَلَى الـمَفْعُولِ لَه وَهُوَ الّذى يُسَمَّى الـمَفعُولُ لِأجْلِه عِنْدَ النُّحَاة أَي وَلِمَتَاعٍ

﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُواْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ﴾ أَي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذُنُوبِكُم وَمَا تَأخَّرَ مِمَّا أَنْتُم تَعْمَلُونَ مِن بَعْدُ، أَوْ مِنْ مِثْلِ الوَقَائِعِ التَي ابتُلِيَت بِهَا الأُمَمُ الـمُكَذّبَةُ بِأنْبِيَائِهَا

﴿وَمَا خَلْفَكُمْ﴾ مِنْ أَمْرِ السَّاعَةِ أَوْ فِتْنَةِ الدُّنيَا وَعُقُوبَةِ الآخِرَة

﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ لِتَكُونُوا عَلَى رَجَاءِ رَحْمَةِ الله. وَجَوَابُ إِذَا مُضْمَرٌ أَي أَعْرَضُوا وَجَازَ حَذْفُهُ لِأَنَّ قَوْلَه

﴿وَمَا تَأتِيهِم مّن ءَايَةٍ مّنْ ءَايَاتِ رَبّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ﴾ بَدَلٌ عَلَيْه. مِن هَذَا يُفْهَمُ أَنَّ فِي الآيَةِ السَّابِقَةِ يُقَدَّرُ أعرَضُوا وَمِنِ الأُولَى لِتَأكِيدِ النَّفِي وَالثَّانِيَةُ للـــتَّـــبْعِيض أَي وَدَأبُهُمُ الإعرَاضُ عِنْدَ كُلّ ءَايَةٍ وَمَوْعِظَة

﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ﴾ لِمُشْرِكِي مَكَّة

﴿أَنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ﴾ أَي تَصَدَّقُوا عَلَى الفَقَرَاء

﴿قَالَ الَّذينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَآءُ اللهُ أَطْعَمَهُ﴾ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا كَانَ بِمَكَّةَ زَنَادِقَة فَإِذَا أُمِرُوا بِالصَّدَقَةِ عَلَى الـمسَاكِينِ قَالوا "لا واللهِ أَيُفْقِرُهُ اللهُ وَنُطْعِمُهُ نَحْنُ"

﴿إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ الظَّاهِرُ أَنَّهُ حِكَايَةُ قَوْلِ الـمُؤمِنِينَ لَهُم، أَو هُوَ قَوْلُ اللهِ لَهُم، أَوْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ جَوَابِهِم للمُؤمِنِين

ربَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَة وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَة وَقِنَا عَذَابَ النَّار، اللهُمَّ فَقّهْنَا فِي الدّين وَاجْعَلنَا مِن أوْلِيَائكِ وَأَهْلِ طَاعَتِك

وَاكفِنَا بِحَلَالِكَ عَن حَرَامِك وَأغْنِنَا بِفَضْلِك عَمَّنْ سِوَاك، اللهُمَّ رَحْمَتَكَ نَرجُو فَلَا تَكِلْنَا إِلَى أَنفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْن وَأَصْلِح لَنَا شَأنَنَا كُلَّهُ

يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ العَالَمِين

تفسير القرآن الكريم تفسير النسفي تفسير قرآن أهل السنة والجماعة تفسير سورة يس من آية 37 إلى 40