تفسير سورة يس من الآية 9 إلى الآية 12

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين لهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الحَسَن

صَلَوَاتُ اللهِ البَرِّ الرَّحيم والملائِكَةِ الْمُقرَّبينَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ أشْرَفِ الـمُرسَلِين وحَبِيبِ رَبِّ العَالمين

وعلى جميعِ إخوانِهِ مِنَ النَّبِيينَ والـمُرسَلِين وَءَالِ كُلٍّ والصَّالِحين وسلامُ اللهِ عليهم أجمعين

يقولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى ﴿وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ {9} وَسَوَآءٌ عَلَيْهِم ءَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤمِنُونَ {10} إنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِىَ الرَّحْمَنَ بِالغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأجْرٍ كَرِيمٍ {11} إنَّا نَحْنُ نُحْىِ الـمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَءَاثَارَهُمْ وَكُلَّ شَىْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِى إِمَامٍ مُّبِينٍ {12}﴾[سورة يس]

إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُخْبِرُنَا بِأنَّهُ أغْشَى أَبْصَارَهُم أَي غَطَّاهَا وَجَعَلَ عَلَيْهَا غِشَاوَة

﴿فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ الحَقَّ وَالرَّشَاد. قَالَ ابنُ الجَوْزِيّ وفِي مَعْنَى الآيَةِ قَوْلَان أَحَدُهُمَا مَنَعْنَاهُم عَنِ الإيمَانِ بِمَوَانِع فَهُم لَا يَسْتَطِيعونَ الخُرُوجَ عَنِ الكُفْر، والثَّانِي حَجَبْنَاهُم عَن أذَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وَسَلَّم بِالظُّلْمَةِ لَمَّا قَصَدُوهُ بِالأذَى. وَقِيلَ نَزَلَت فِى بَنِي مَخزُوم وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ حَلَفَ لَإنْ رَأَى مُحَمَّدًا يُصَلِي لَيُرَضّخَنَّ رَأْسَه، فَأتَاهُ وهو يُصَلِي وَمَعَهُ حَجَرٌ لِيَدْمَغَهُ بِه أَي لِيَضْرِبَهُ بِهِ عَلَى رَأْسِه فَلَمَّا رَفَعَ يَدَهُ انْثَنَت إلَى عُنُقِه وَلَزِقَ الحَجَرُ بِيَدِهِ حَتَّى فَكُّوهُ عَنْهَا بِجُهْد فَرَجَعَ إلَى قَوْمِهِ فَأخْبَرَهُم. فَقَالَ مَخْزُومِيّ ءَاخَر أَنَا أقْتُلُهُ بِهَذَا الحَجَر فَذَهَبَ فَأعْمَى اللهُ بَصَرَه

﴿وَسَوَآءٌ عَلَيْهِم ءَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤمِنُونَ﴾ أَي سَوَاءٌ عَلَيْهِمُ الإنْذَارُ وَتَرْكُه وَالـمَعْنَى مَنْ أَضَلَّهُ اللهُ هَذَا الإضْلَالَ لَم يَنْفَعْهُ الإنْذَار. وَرُوِي أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيز قَرَأَ الآيَةَ عَلَى غَيْلَانَ القَدَرِيّ فَقَالَ كَأَنّي لَمْ أَقْرأْهَا أُشْهِدُكَ أَنّي تَائِبٌ عَنْ قَوْلِي فِي القَدَر فَقَالَ عُمَر اللهُمَّ إِنْ صَدَقَ فَتُبْ عَلَيْه وَإِن كَذَبَ فَسَلّط عَلَيْهِ مَنْ لَا يَرحَمُه فَأَخَذَهُ هِشَامُ بن عَبْدِ الـمَلِك مِن عِنْدِهِ فَقَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَصَلَبَهُ عَلَى بَابِ دِمَشْق. وَغَيْلَانُ القَدَرِيّ يُقَالُ لَهُ أَبُو مَروَان وَكَانَ مِن مُعْتَقِي عُثْمَانَ بنِ عَفَّان وَكَانَ فَصِيحًا لَكِن ضَلَّ وَصَارَ يَتَكَلَّمُ بِخِلَافِ مُعْتَقَدِ أَهْلِ الحَقّ. أَخَذَهُ الخَلِيفَةُ هِشَامُ بنُ عَبْدِ الـمَلِك وَفَعَلَ بِهِ مَا فَعَل بَعْدَمَا نَاظَرَهُ الإمَامُ الأَوْزَاعِيّ وَقَالَ عَنْهُ كَافِرٌ وَرَبِ الكَعْبَةِ يَا أَمِيرَ الـمُؤمِنِين.

﴿إنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِكْرَ﴾ أَي إِنَّمَا يَنْتَفِعُ بِإنْذَارِكَ مَنِ اتَّبَعَ القُرءَان

﴿وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالغَيْبِ﴾ وَخَافَ عِقَابَ اللهِ وَلَمْ يَرَه

﴿فَبَشِرْهُ بِمَغْفِرَةٍ﴾ وَهِيَ العَفْوُ عَنْ ذُنُوبِه

﴿وَأَجْرٍ كَرِيمٍ﴾ أَي الـجَنَّة

﴿إنَّا نَحْنُ نُحْيِى الـمَوْتَى﴾ نَبْعَثُهُم بَعْدَ مَمَاتِهِم، أوْ نُخْرِجُهُم مِنَ الشِرْكِ إلَى الإيمَان

﴿وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا﴾ مَا أَسْلَفُوا مِنَ الأعْمَالِ الصَّالِحَاتِ وَغَيْرِهَا

﴿وَءَاثَارَهُمْ﴾ مَا هَلَكُوا عَنْهُ مِن أَثَرٍ حَسَنٍ كَعِلْمٍ عَلَّمُوه أَوْ كِتَابٍ صَنَّفُوه أَوْ حَبِيسٍ حَبَّسُوه أَوْ رِبَاطٍ أَوْ مَسْجِدٍ صَنَعُوه أَوْ سيّءٍ كَوَظِيفَةٍ وُظّــفَهَا بَعْضُ الظَّلَمَةِ وَكَذَلِكَ كُلُّ سُنَّةٍ حَسَنَة أَوْ سَيِّئَةٍ يُسْتَنُّ بِهَا وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿يُنَبَّأ الإنْسَانُ يُوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ {16}﴾[سورة القِيامة / 13] ﴿قَدَّمَ﴾ مِنْ أَعْمَالِهِ ﴿وَأَخَّرَ﴾ مِن أَثَارِه وَقِيلَ هِي خُطَاهُم إلَى الجُمُعَةِ أَوْ إلَى الجَمَاعَة

﴿وَكُلَّ شَىْءٍ أَحْصَيْنَاهُ﴾ عَدَدْنَاه وَبَــــيَّــنَّاه

﴿فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ﴾ يَعْنِي اللوْحَ الـمَحْفُوظ لِأَنَّهُ أَصْلُ الكُتُبِ وَمُقْتَدَاهَا

وَسُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالمين، رِبَّنَا ءَاتِنَا فِى الدُّنيَا حَسَنَة وَفِى الآخِرَةِ حَسَنَة وَقِنَا عَذَابَ النَّار،

اللهُمَّ اجْعَلنَا هُداةً مَهْدِيين غَيْرَ ضَآلِّينَ وَلَا مُضِلِّين، وَاستُر عَوْرَاتِنَا يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين وَأَخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين.

تفسير القرآن الكريم تفسير النسفي تفسير قرآن أهل السنة والجماعة تفسير سورة يس آية 9 إلى 12