معنى وتفسير: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ

بسم الله الرحمن الرحيم

اليمينُ والحَلِفُ والقسمُ بمعنى واحد وهو لفظ يقوي به الحَالف عزمه على الفعل أو الترك، ولا ينعقد اليمين إلا بذكر إسم من أسماء الله تعالى أو صفة من صفات الله كقول الشخص والله، أو وعظمة الله أو والذي خلقنا، أو والذي لاإله إلا هو، أو نحو ذلك. ويكون قبله حرف من حروف القسم وهي الواو والباء والتاء كقول الشخص والله أو بالله أو تالله، والحلفُ جاء ذكره في القران والسنة، ففي القرءان أقسمَ الله تعالى في كثير من السوركقوله تعالى {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ}، وورد في الأحاديث أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا ومقلب القلوب" رواه البخارى. وقال أيضا "والذي نفسُ محمدٍ بيدهِ"، وكذلك قال في الحديث "ورب الكعبة" والأيمان على ثلاثة أنواع: يمينٌ منعقدة، ويمينٌ كاذبة، ولغو يمين.

لغو اليمين

قال الله تعالى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} وثبت عن السيدة الجليلة أم المؤمنين عائشة زوج النبي وبنت الصديق رضي الله تعالى عنها أنها قالت في تفسير هذه الآية [هي قولُ الرجل لا واللهِ بلى واللهِ]. من غير عقدِ على اليمين فلا كفارة عليه لأنه لا يقصدُ به حقيقة اليمين وإنما هو شىء يُجرى على اللسان من غير قصد فهو لغوٌ لا كفارة فيه. والمسلم لاينبغي أن يُكثر من الحلف لأن تكثيرَ الأيمان بالله يُخشى أنّ لا يبقى لليمين وقعاً في القلب وعندها لا يؤمنُ من إقدامه على اليمين الكاذبة والعياذ بالله.

وما يزعمه بعض الناس الجاهلين بأنه إذا تكلم الإنسان بكلمة قبيحة كفرية فإنه لا يؤاخذ بذلك فهذا كفر مضاعف، وهؤلاء لا يستندون إلى نص من نصوص الفقهاء في مؤلفاتهم في المذاهب الأربعة بل هذا شىء سوّلته لهم أنفسهم وشياطينهم. وليس هناك في كتب الفقه أنه لو إنسان تلفظ بالكفر في حال الغضب لا يؤاخذ، ولا يوجد في حديث من أحاديث رسول الله، بل الآية {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} والآية صريحة ظاهرة بأن كل كلام يتكلم به الإنسان يكتب عليه، ومعنى "من قول" أيّ قول كان. وبعد بيان القرءان كيف يستمع لإنسان يدّعي الإسلام ويقول إنه لا يكفر من سبّ الله في حالة الغضب فلعنة الله على من قال ذلك. وأما قوله تعالى {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ} فمعناه أنّ الذي يحلف بالله تعالى بلا إرادة لا يؤاخذ، والأيمان جمع يمين واليمين هو القسم، كالذي يسبق لسانه ويقول لا والله، بلى والله. والله تعالى ما قال عن الذي يسبه أو يسب دينه أنه لا يؤاخذ بذلك.

وكذلك من الكفر المضاعف قول بعض الناس لتبرير كفرهم وليدافعوا عن أنفسهم: أليس قال الله تعالى {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ} فهذا على حسب زعمهم لغو. ومنهم من يقول إنه سبّ الله باللسان ولكن بدون نيّة، يحتجون بالقرءان الكريم لتبرير كفرهم، وهذا أيضا من الكفر المضاعف. ومنهم من يقول إنه كان في حالة الغضب حين كفره فلا مؤاخذة عليه وهذا تحريف وتكذيب لكتاب الله تعالى. وهذا الذي يفسر القرءان من غير علم ولو لم يؤد تفسيره إلى تحريم حلال أو تحليل حرام أو إباحة كفر إنما فيه انحراف عن التفسير الذي هو تفسير للقرءان يكون ملعونا ويلجم يوم القيامة بلجام من نار، فكيف ذاك الذي يقول عن سب الله في حال الغضب إنه ليس كفرا. إنّ هؤلاء لا يُسمَعُ لهم ومن سمع لهم وقبل كلامهم صار مثلهم كافرا ولو كانوا ممن يدّعون أنهم علماء وليسوا علماء ولا طلاب علم بل هم جهال متعالمون، وأدنى طالب علم شرعي لا يقول هذا القول السفيه وهو أنّ من سبّ الله في حالة الغضب لا يؤاخذ به ولا يكون كافرا، فإن كانوا يدعون العلم فليأتوا ببرهان ولن يأتوا به أبدا إنما يفترون على الله ودينه ويضلون عباد الله.

اليمين المنعقدة

اليمينُ المنعقدة هي التى يقصدُها الحالف ويصممُ على فعلها في المستقبل وتكون متعمدة مقصودة كقول الشخص (واللهِ لن أدخُلَ دار فلان)، وحكمها أنه يجب فيها الوفاء إن كان المحلوف عليه أمراً فيه خير كأن قال: والله لأصومنَّ غداً. وتجب الكفارة عندَ عدم الوفاء قال الله تعالى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، وأما إن كان المحلوف عليه معصية كقول الرجل (والله لأضربن فلاناً ظلما) فيفعل الكفارة ولا يفعل المحلوف عليه، واما إن حلف على ترك مكروه كأن قال (والله لن أشرب الدخان) وكان ممن لا يضره شرب الدخان فالأولى أن يبقى على يمينه ولا يَحنث أي لايفعل المكروه ولا الكفارة، وإن كان المحلوف عليه ترك أمر فيه خير وثواب فالأولى أن يفعل الكفارة ويفعل المحلوف عليه كأن قال (والله لن أزور مريضا) وزيارة المريض المسلم فيها خير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من حَلفَ على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأتِ ما هو خير وليُكفِر عن يمينه". ولا ينبغي للمسلم أن يجعلَ اليمين مانعاً للخير كصلة الرحم وإعانة الناس وعمل البر. قال الله تعالى {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم ٌ}، قال الحافظ المفسر العلامة الشيخ عبد الله الهرري رحمات الله تعالى عليه في تفسير هذه الآية [أي لاتجعلوا أيمانكم مانعة للخير كأن يحلفَ الرجل أن لا يَصِلَ رحماً له ثم يقول أنا لا أزوره لأني حلفتُ يميناً فلا يجعل اليمين مانعاً للخير بل عليه أن يحنث ويكفرَ عن يمينه ويصلَ رَحمَهُ ويعمل الخير].

كفارة اليمين

قال الله تعالى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} الإطعام يكونُ بتمليك كل مسكين فقير مُداً (أي مِلءُ الكفين المُعتدلين) من غالب قوتِ البلد القمح أو الأرز أو غيره، ولا يصحُ إعطاء العشرة أمداد لشخصٍ واحد ويصح عند بعض الأئمة إعطاءُ قيمةُ الطعام مالاً ما يكفي لوجبتين من أوسط الطعام أو يكسوا عشرة مساكين على حسب البلد المخرج فيها الكفارة، أو يُعتق رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متفرقات أو متواليات بنية الكفارة.

اليمين الكاذبة

اليمينُ الكاذبة تُسمى اليمينَ الغموس وهي التى يقصِدُ بها الحالف بالله كذباً الغش والخيانة وهضم الحقوق وهي كبيرة من كبائر الذنوب وسُميت غموساً لأنها تغمس صاحبها في الذنب الذي يستحق عليه الإنغماس في نار جهنم والعياذ بالله تعالى، وذلك لما في هذه اليمين الكاذبة من تهاونَ باسم الله تعالى أو صفة من صفاته. وتجب فيها التوبة فوراً وردِ الحقوق إلى أهلها. روى البخاري عن عبد الله بن عمر قال: جاء إعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما الكبائر قال [الإشراك بالله]، قال ثم ماذا قال [اليمينُ الغموس] قلتُ وما الغموس قال [التى يُقطع بها مال امرىء مسلم وهو فيها كاذب]. والتحذير من استعمال اسم الله في الكذب عمداً كثير في الأحاديث الشريفة ولا سيما التجار الذين يسعون لبيع بضائعهم باليمين الكاذبة وذلك كقول بعض الباعة والتجار (والله ما فيها ربح) كذباً لينفق البضاعة فالويل لهم من الله تعالى.

الحلفُ بغيرِ الله

الله تبارك وتعالى يُقسمُ بما شآء من خلقه، وقد أقسم الله تعالى في القراءن الكريم ببعض مخلوقاته في عدة مواضع مثل قوله تعالى {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} وكذلك بالليل والنجم والتين والزيتون والقمر والنجم، وكل ما أقسمَ الله به فيه نفعٌ وفي ذلك إشارة إلى التفكر بمنافع ما أقسمَ به والإستدلال أن لهذه المخلوقات خالقاً حكيما فينبغي شكرهُ على هذه النعم. أما نحن البشر فمنهيون عن أن نُقسِم بغير الله تعالى وصفاته وذلك لحديث النبيّ صلى الله عليه وسلم [ألا إنّ اللهَ يَنهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كانَ حالفاً فليحلِف بالله أوليصمُت]. رواه البخاري ومسلم، وحكم الحلف بغير الله أنه إنَ لم يكن على معنى التعظيم، كتعظيم الله فمكروه بل قالَ الإمامُ الشافعي [أخشى أنّ يكونَ معصية] ولا تنعقد اليمين بالحلف بغير الله كالذي يَحلف بالكعبة أو بالنبي أو نحو ذلك، وقد نقل عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله أن الحلف بغير الله معصية وبعض العلماء ذهب إلى غير ذلك، إلا أنه لا ينبغي تكفير الشخص الحالف بغير الله تعالى لحديث [من حلفَ بغيرالله فقد أشرك] والحديث معناه أن من عَظمَ غير الله كتعظيم الله فقد أشرك كما كان أهل الجاهلية يعظمون الأصنام ويحلفون بها لتعظيمها. وشذت فرقة فكفرت كل من حلف بغير الله من غير تفصيل وأغلبُ الناس يتلفظون بهذا لا على وجه تعظيم ءابائهم وأولادهم كتعظيم الله تعالى. وقد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً حلف بغير الله فقال له [لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد ولا تحلفوا إلا بالله ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقين] رواه أبو داود والنسائي.

تنبيه: لا يقعُ اليمين بالحلف مع تحريف إسم الله تعالى كقول الشخص (واللا) من غير لفظ حرف الهاء، بل أن قائل هذا اللفظ عليه معصية لتحريف اسم الله تعالى والله أعلم. 

تفسير لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم تفسير قرآن أهل السنة حلف بلا قصد يمين كاذبة قسم بالله حلف بالله كفارة يمين قيمة كفارة يمين