خلق الله الأشياء لحكمة. عتاب الكفار بعضهم لبعض في الآخرة. تفسير سورة إبراهيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمين لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهَ الْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الحَسَن صَلَوَاتُ اللَّهِ البَرِّ الرَّحيم وَالملائِكَةِ المُقَرَّبين عَلى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ أشْرَفِ الْمُرْسَلين وَخَاتَمِ النَّبِيين وَحَبيبِ رَبِّ العَالَمين وَعَلَى جَميعِ إخْوَانِهِ مِنَ النَّبيينَ وَالمُرْسَلين وَءَالِ كُلٍّ وَالصَّالِحين وَسَلامُ اللهِ عَلَيْهِم أجْمَعين

يقولُ الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ {19} وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ {20} وَبَرَزُواْ للهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللهِ مِن شَىْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ {21} وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِني كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {22}﴾ [سورة إبراهيم].

﴿أَلَمْ تَرَ﴾ أي ألَم تعلَم، والخِطَابُ لكلِّ أحد، أخبرَ الله سبحانَهُ وتعالى بأنه خلَقَ السَّمٰواتِ والأرضَ بالحِكمَةِ والأمرِ العظيم ولَم يخلُقْها عبثًا مِنْ غيرِ فائدَةٍ فهو سبحانه لَم يخلُق شيئًا عبثًا مِنْ غيرِ حِكمَة، وأخبرَنا سبحانهُ بأنهُ قادِرٌ على أنْ يُعدِمَ الناسَ ويخلقَ مكانَهُم خلقًا ءاخرَ على شكلِهم أو على خِلافِ شكلِهم إعلامًا بأنهُ قادِرٌ على إعدامِ الموجود وإيجادِ المعدوم وأنه سبحانه لا يُعجِزُهُ شىء، ﴿وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ﴾ أي بِمُتَعَذِّر فكلُّ شىءٍ خْلْقُهُ ومِلْكُهُ.

وأخبرَنا سبحانه أنَّ الكفَّارَ يبرزونَ يومَ القيامَة، ومعنى بروزِهم لله والله تعالى لا يتوارى عنه شىء حتى يَبْرُزَ له، أنهم كانوا يستَتِرونَ مِنَ العيونِ عندَ ارتكابِ الفواحِشِ ويظنُّونَ أنَّ ذلكَ خافٍ على الله، فإذا كان يومُ القيامةِ انكشفوا عندَ أنفسِهِم وعَلِموا أنَّ الله لا تَخفى عليه خافية، أو خرجوا مِنْ قبورِهم فبرَزوا لحسابِ الله لهم وحُكمِهِ. ﴿فَقَالَ الضُّعَفَاء﴾ في الرَّأيِ وهم السَّفَلَةُ ﴿لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ﴾ وهم السَّادَةُ والرؤساءُ الذينَ استغوَوهُم وصدُّوهُم عَنِ الاستِمَاعِ إلى الأنبياءِ واتباعِهِم: ﴿إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا﴾ أي تابعين ﴿فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللهِ مِن شَىْءٍ﴾ فهل تَقدِرونَ على دَفعِ شىءٍ مِمَّا نحنُ فيه، ولَمَّا كانَ قولُ الضعفاءِ توبيخًا لهم وعِتابًا على استغوائِهم لأنهم علِموا أنهم لا يَقدِرونَ على الإغناءِ ودَفعِ العذابِ عنهم قالوا لهم مُجيبينَ مُعتذِرين: ﴿لَوْ هَدَانَا اللهُ لَهَدَيْنَاكُمْ﴾ أي لو هَدَانا اللهُ للإيمانِ في الدُّنيا لهديناكم إليه، أو لو هدانا الله طريقَ النجاةِ مِنَ العذاب ﴿لَهَدَيْنَاكُمْ﴾ أي لأغنَينا عنكم وسلَكنا بكُم طريقَ النَّجاة كما سلَكنا بكُم طريقَ الهَلَكَة. ﴿سَوَاء عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا﴾ أي أنَّ الصَّبرَ وعدمُهُ مُستَويانِ علينا، رُويَ أنهم يقولونَ في النارِ: تعالوا نجزَعُ فيجزعونَ خَمَسمِائةِ عام فلا ينفعُهُم الجزعُ فيقولون: تعالَوا نصبِرُ فيصبِرونَ خَمسمِائةِ عام فلا يَنفعُهُم الصَّبرُ ثم يقولون: ﴿سَوَاء عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ﴾ أي ما لنا مِنْ مَنْجًى ومَهْرَبٍ جزِعنا أم صبرنا.

﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ﴾ أي حُكِمَ بالجنَّةِ والنارِ لأهْلِيهِمَا وفُرِغَ مِنَ الحساب ودَخَلَ أهلُ الجنّةِ الجنّة وأهلُ النّارِ النّار رويَ أنه يقومُ عندَ ذلكَ خطيبًا على مِنبَرٍ مِنْ نارٍ فيقول: ﴿إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ﴾ وهو البعثُ والجزاءُ على الأعمالِ فوَفَى لكم بما وعدَكُم ووعدتُّكم بأنَّ لا بعثَ ولا حِسَابَ ولا جزاء فأخلفتُكُم كذبتُكم ﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ﴾ أي مِنْ تسَلُّطٍ واقتدار، لأنّ أمرَ العبادِ ليسَ بيدِهِ ﴿إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ﴾ أي لكنّي دعوتُكُم إلى الضَّلالةِ بوسوستِي وتزيينِي ﴿فَاسْتَجَبْتُمْ لِي﴾ أي فأسرَعتُم إلى إجابتي ﴿فَلاَ تَلُومُونِي﴾ حيثُ إني لَم أُجْبرِكُم على ما فعلتُم ﴿وَلُومُواْ أَنفُسَكُم﴾ حيثُ اتّبعتمونِي بإرادَتِكُم بلا حُجَّةٍ ولا بُرهان، ﴿مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ﴾ أي لا يُنجِي بعضُنا بعضًا مِنْ عذابِ الله ولا يُغيثُه، والإصراخُ: الإغاثة. ﴿إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ﴾ أي كفَرتُ اليومَ بإشراكِكم إيايَ مع اللهِ في الدنيا، ومعنَى كُفرِهِ بإشراكِهِم إياه تبَرُّئُهُ منه واستنكارُهُ له، ومعنَى إشراكِهم الشيطانَ بالله: طاعتُهُم له فيمَا كان يُزينُهُ لَهم مِنْ عبادَةِ الأوثان، وهذا ءاخرُ قولِ الشَّيطان: ﴿إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي إنَّ عذابَ الكافرِينَ شديد.

اللهم ارحمنا ولا تفتنا واجعلنا من عبادِكَ الشَّكورينَ التوابين الأوابين الأواهين

يا أرحمَ الراحمين

تفسير سورة إبراهيم وعظ مواعظ دينية هدي القرآن تفسير قرآن دروس دينية عذاب جهنم عذاب نار عذاب الكافر أعمال الكافر الله خالق كل شىء