غَزْوَةُ مُؤْتَةَ

 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ لِلْهِجْرَةِ كَانَتْ غَزْوَةُ مُؤْتَةَ وَجَاءَ فِي خَبَرِهَا أَنَّهُ لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَقَامَ بِهَا شَهْرَيْ رَبِيعٍ ثُمَّ بَعَثَ فِي جُمَادَى الأُولَى بِعْثَةً إِلَى مُؤْتَةَ بِالشَّامِ. وَكَانَ سَبَبُهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ بَعَثَ الْحَارِثَ بنَ عُمَيْرٍ الأَزْدِيَّ بِكِتَابِهِ إِلَى الشَّامِ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ وَقِيلَ إِلَى مَلِكِ بُصْرَى فَعَرَضَ لَهُ شُرَحْبِيلُ بنُ عَمْرٍو الْغَسَّانِيُّ فَأَوْثَقَهُ رِبَاطًا ثُمَّ قَدَّمَهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ.

فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ عَنْهُ فَجَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَيْشَ وَبَعَثَهُ إِلَى مُؤْتَةَ فِي جُمَادَى الأُولَى مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بنَ حَارِثَةَ وَقَالَ "إِنْ أُصِيبَ زَيْدٌ فَجَعْفَرُ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى النَّاسِ فَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بنُ رَوَاحَةَ عَلَى النَّاسِ".

فَتَجَهَّزَ النَّاسُ ثُمَّ تَهَيَّئُوا لِلْخُرُوجِ وَهُمْ ثَلاثَةُ ءَالافٍ فَلَمَّا حَانَ وَقْتُ خُرُوجِهِمْ وَدَّعَ النَّاسُ أُمَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ وَسَلَّمُوا عَلَيْهِمْ ثُمَّ مَضَى الْجَيْشُ وَنَزَلُوا مَعَان مِنْ أَرْضِ الشَّامِ وَبَلَغَ النَّاسَ أَنَّ هِرَقْلَ قَدْ نَزَلَ مَآب مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ فِي مِائَةِ أَلْفٍ مِنَ الرُّومِ وَانْضَمَّتْ إِلَيْهِ الْمُسْتَعْرَبَةُ مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامٍ وَبُلْقِينَ وَبَهْرَاءَ وَبَلِيَّ فِي مِائَةِ أَلْفٍ مِنْهُمْ.

فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ أَقَامُوا عَلَى مَعَانٍ لَيْلَتَيْنِ يَنْظُرُونَ فِي أَمْرِهِمْ فَإِمَّا أَنْ يُمَدِّنَا بِرِجَالٍ وَإِمَّا أَنْ يَأْمُرَنَا فَنَمْضِي لَهُ. بَعْدَ أَنْ سَمِعَ الْمُسْلِمُونَ بِجَمْعِ هِرَقْلَ وَمَنْ مَعَهُ قَامَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ رَوَاحَةَ خَطِيبًا فَشَجَّعَ النَّاسَ وَقَالَ لَهُمْ إِنَّمَا هِيَ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ إِمَّا ظُهُورٌ أَيْ نَصْرٌ وَإِمَّا شَهَادَةٌ فَقَالَ النَّاسُ قَدْ وَاللَّهِ صَدَقَ ابْنُ رَوَاحَةَ وَمَضَوْا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِتُخُومِ الْبَلْقَاءِ لَقِيَتْهُمْ جُمُوعُ هِرَقْلَ مِنَ الرُّومِ وَالْعَرَبِ بِقَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا مَشَارِفُ ثُمَّ دَنَا الْعَدُوُّ وَانْحَازَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا مُؤْتَةُ.

ثُمَّ الْتَقَى النَّاسُ فَاقْتَتَلُوا فَقَاتَلَ زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ بِرَايَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قُتِلَ ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرُ بنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَاتَلَ الْقَوْمُ حَتَّى قُتِلَ وَكَانَ أَخَذَ اللِّوَاءَ بِيَمِينِهِ فَقَاتَلَ بِهِ حَتَّى قُطِعَتْ يَمِينُهُ فَأَخَذَ الرَّايَةَ بِيَسَارِهِ فَقُطِعَتْ يَسَارُهُ فَاحْتَضَنَ الرَّايَةَ حَتَّى قُتِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعُمْرُهُ ثَلاثَةٌ وَثَلاثُونَ سَنَةً.

فَلَمَّا قُتِلَ جَعْفَرُ أَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ رَوَاحَةَ ثُمَّ تَقَدَّمَ بِهَا وَهُوَ عَلَى فَرَسِهِ فَجَعَلَ يَتَرَدَّدُ بَعْضَ التَّرَدُّدِ ثُمَّ نَزَلَ وَأَخَذَ السَّيْفَ وَتَقَدَّمَ وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ ثَابِتُ بنُ أَقْرَم فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ اصْطَلِحُوا عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ فَقَالُوا أَنْتَ، قَالَ مَا أَنَا بِفَاعِلٍ فَاصْطَلَحَ النَّاسُ عَلَى خَالِدِ بنِ الْوَلِيدِ الَّذِي حَفِظَ الْجَيْشَ مِنَ الإِبَادَةِ.

وَأَطْلَعَ اللَّهُ رَسُولَهُ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ يَوْمِهِ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ وَأَمَرَ فَنُودِيَ الصَّلاةُ جَامِعَة فَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ "بَابُ خَيْرٍ بَابُ خَيْرٍ بَابُ خَيْرٍ أُخْبِرُكُمْ عَنْ جَيْشِكُمْ هَذَا الْغَازِي إِنَّهُمُ انْطَلَقُوا فَلَقُوا الْعَدُوَّ فَقُتِلَ زَيْدٌ شَهِيدًا وَاسْتَغْفَرَ لَهُ ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ جَعْفَرٌ فَشَدَّ عَلَى الْقَوْمِ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا وَاسْتَغْفَرَ لَهُ ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ رَوَاحَةَ فَأَثْبَتَ قَدَمَيْهِ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا فَاسْتَغْفَرَ لَهُ ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ خَالِدُ بنُ الْوَلِيدِ" ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ "اللَّهُمَّ إِنَّهُ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِكَ فَأَنْتَ تَنْصُرُهُ" فَسُمِّيَ خَالِدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ سَيْفَ اللَّهِ.

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَقِّ جَعْفَرٍ "إِنَّ اللَّهَ أَبْدَلَهُ بِيَدَيْهِ جَنَاحَيْنِ يَطِيرُ بِهِمَا فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَ".

وَلَمَّا دَنَا الْجَيْشُ الإِسْلامِيُّ مِنْ دُخُولِ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ تَلَقَّاهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَرَسُولُ اللَّهِ مُقْبِلٌ مَعَ الْقَوْمِ عَلَى دَابَّةٍ فَقَالَ "خُذُوا الصِّبْيَانَ فَاحْمِلُوهُمْ وَأَعْطُونِي ابْنَ جَعْفَرٍ" فَأُتِيَ بِعَبْدِ اللَّهِ بنِ جَعْفَرٍ فَأَخَذَهُ وَحَمَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ.

صحابة دروس دينية إسلامية صحابي قصص صحابة تاريخ إسلامي غزوات إسلامية ثقافة إسلامية حرب إسلامية حروب إسلامية جهاد فتوحات إسلامية معارك إسلامية معركة مؤتة قصص أنبياء غزوات نبي محمد جهاد إسلامي غزوة مؤتة راية إسلام رسول الله خالد بن الوليد جعْفر ابن أبي طالب عبد الله بن رواحة زيد بن حارثة سيرة نبي محمد السيرة النبوية سيرة نبوية