توحيد: الله لا يشبه المخلوقات
الله سبحانه وتعالى غنـيٌّ عن العالمين أي مستغنٍ عن كل ما سواه أزلاً وأبداً فلا يحتاج تعالى إلى جهةٍ ولا إلى مكانٍ يقوم به أو شىءٍ يَحُلّ به، ولا يحتاج تعالى إلى مُخصّصٍ له بالوجود لأنَّ الاحتياج ينافي الألوهية، والله سبحانه وتعالى هو الإله الذي أوجد هذا العالم كله، والعالم كلُّه بحاجة إلى الله تعالى ليحفظ عليه وجودَه، فالله تبارك وتعالى هو خالقُ السَّمـوات السبع والأرضين والعرش والكرسي وخالق الأماكن كلها، لذلك لا يجوزُ أن يُعتقد أنَّ الله تعالى موجودٌ في مكانٍ أو في كل الأمكنة أو أنَّه موجودٌ في السَّماء أو مُتمكِّنٌ وجالس على العرش أو مُنبثٌّ ومنتشر في الفضاء أو أنَّه قريبٌ مناَّ أو بعيدٌ بالمسافة، تعالى الله سبحانه وتعالى، وتنـزَّه عن هذه الكيفيات كلها، لأنَّه تعالى موجود بلا كيفٍ ولا مكان.
ويكفي في تنـزيه الله تعالى عن المكان والحيز والجهة قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ ﴾ [سورة الشورى آية 11] فلو كان لله تعالى مكانٌ وجِهةٌ لكانَ له أمثالٌ وأبعادٌ طولٌ وعرضٌ وعمقٌ، ومن كانَ كذلك كان مُحدَثاً مَخلوقاً مَحدوداً مُحتاجاً لِمن حدَّه بِهذا الطولِ والعرضِ والعُمق.
يقولُ الإمام عليٌ رضي الله عنه: « كَانَ اللَّهُ وَلاَ مَكَانَ وَهُوَ الآنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ». ويقول أيضاً في تنـزيه الله عن الجلوس: « إنَّ الله خَلَقَ العَرْشَ إِظْهَارًا لِقُدْرَتِهِ وَلَمْ يَتَّخِذهُ مَكَاناً لِذَاتِهِ ». رواه أبو منصور البغدادي في كتابه الفرق بين الفرق.
فالله تعالى هو خالق المخلوقات كلّها، وخالقُ المخلوقات يَستحيلُ عليه في العقل أن يُشبِهَها فيستحيل على الله تعالى إذاً الصورة والهيئة والشكل والحجم والمقدار والحركة والسُّكون والألوان والطُعوم والاجتماع والافتراق والاتصال والانفصال وكذلك يستحيل على الله عزَّ وجلَّ المكان والجهة لأن من له مكان يكون جِسماً له حدودٌ ومساحة وأبعادٌ ولاحتاج إلى من جعله بِهذا الحجم وبِهذا المقدار والحد، لذلك لا يجوز أن يُعتقد أنَّ الله تبارك وتعالى له حدودٌ و مساحةٌ.
يقول الإمام أبو جعفر الطحاوي في عقيدته الـمُسمَّاة "العقيدة الطحاوية" والتي بـيَّن فيها عقيدة أهل السنة والجماعة: « تَعَالىَ (يعني الله تعالى) عَنِ الحُدُودِ وَالغَايَاتِ وَالأَرْكَانِ وَالأَعْضَاءِ وَالأَدَوَاتِ وَلاَ تَحْوِيهِ الجِهَاتُ السِّتُّ كَسَائِرِ المُبْتَدَعَاتِ » والجهاتُ الست هي: فوق وتحت ويمين وشمال وأمام وخلف. وقال: « ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر ». فمن شبه الله بخلقه بأن نسب إليه الصورة أو الأعضاء أو الجهة أو المكان فلا يكون مسلما وعليه الرجوع للإسلام بترك العقيدة الفاسدة والنطق بالشهادتين: أشهد أن لا إله إلاَّ الله وأشهد أنَّ مُحَمَّداً رسول الله.