تفسير سورة المزمل

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

تفسير سورة المزمل آية 1 إلى 14 تفسير سورة المزمل آية 15 إلى 20

سورة المزمل مكية بإجماعهم، وهي عشرون ءاية

يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (6) إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً (7) وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً (9) وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً (10) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً (11) إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيماً (12) وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً (13) يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتْ الْجِبَالُ كَثِيباً مَهِيلاً (14) إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً (16) فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً (17) السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً (18) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً (19) إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)

وَيُقَدَّرُ مُتَعَلَّقُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ فِعْلا أَوِ اسْمًا فَالْفِعْلُ كَأَبْدَأُ وَالاسْمُ كَابْتِدَائِي. وَكَلِمَةُ "اللَّه" عَلَمٌ عَلَى الذَّاتِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ الْمُسْتَحِقِّ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ، وَهُوَ غَيْرُ مُشْتَقٍّ.

الرَّحْمٰنُ مِنَ الأَسْمَاءِ الْخَاصَّةِ بِاللَّهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ شَمِلَتْ رَحْمَتُهُ الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ الَّذِي يَرْحَمُ الْمُؤْمِنِينَ فَقَطْ فِي الآخِرَةِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ [سُورَةَ الأَعْرَاف/ 156]، وَالرَّحِيمُ هُوَ الَّذِي يَرْحَمُ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [سُورَةَ الأَحْزَاب/ 43]، وَالرَّحْمٰنُ أَبْلَغُ مِنَ الرَّحِيمِ لأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْبِنَاءِ تَدُلُّ عَلَى الزِّيَادَةِ فِي الْمَعْنَى.

﴿يا أيُّها الْمُزَّمِّلُ﴾ أي المتزمل وهو الذي تزمل في ثيابه أي تلفف بها، كان النبي صلى الله عليه وسلم نائمًا بالليل متزملاً في ثيابه فأُمر بالقيام للصلاة.

﴿قُمِ الليلَ﴾ أي قم للصلاة، وحَدُّ الليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر ﴿إلا قليلاً﴾ أي صلّ الليل كله إلا يسيرًا منه فاستثنى منه القليل لراحة الجسد.
وقد كان قيام الليل فرضًا على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أمته ثم نُسخ ذلك فصار تطوعًا كما جاء في صحيح مسلم (كتاب صلاة المسافرين وقصرها: باب جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض) عن زُرارة : أن سعد بن هشام بن عامر أراد أن يغزو في سبيل الله.." الحديث، وفيه أنه قال لأم المؤمنين سيدتنا عائشة رضي الله عنها: "أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت: ألست تقرأ ﴿يا أيها المزمل﴾ قلت: بلى، قالت: فإن الله عزَّ وجلَّ افترض قيام الليل في أول هذه السورة فقام نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرًا في السماء حتى أنزل الله في ءاخر هذه السورة التخفيف فصار قيام الليل تطوعًا بعد فريضة".

وأخرج الحاكم في المستدرك [2/504] عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما نزلت: ﴿يا أيها المزمل  قمِ الليل إلا قليلاً﴾ قاموا سنة حتى ورمت أقدامهم أي من غير ضرر، فأُنزِلت: ﴿فاقرءوا ما تيسَّر منهُ﴾، وأخرج ابن جرير مثله عن ابن عباس وغيره.

﴿نِصفَهُ أو انقص منه قليلاً﴾ أي قم نصف الليل أو انقص من النصف قليلاً إلى الثلث.

﴿أو زِدْ عليه﴾ أي زد على النصف إلى الثلثين، وهذا تخيير للنبي صلى الله عليه وسلم بين أن يقوم النصف بتمامه وبين الناقص منه وبين قيام الزائد عليه.
﴿ورتِّلِ القرءانَ ترتيلاً﴾ أي لا تعجل بقراءة القرءان بل اقرأه في مَهَلٍ وبيان أي بيّنه تبيينًا مع تدبر المعاني، وروى الترمذي [في سننه: كتاب فضائل القرءان: باب 18] عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقال لصاحب القرءان اقرأ وارتقِ ورتِّل كما كنت ترتِّلُ في الدنيا فإن منزلتك عند ءاخر ءاية تقرأُ بها".

﴿إنَّا سنلقي﴾ أي سننزل ﴿عليكَ قولاً﴾ أي القرءان ﴿ثقيلاً﴾ أي بما اشتمل عليه من التكاليف الشاقة كالجهاد ومداومة الأعمال الصالحة وإقامة حدود الشرع واجتناب نواهيه، وقيل: إنه كان يَثقُلُ عليه إذا أوحي إليه وهذا قول عائشة قالت: "ولقد رأيته يَنزلُ عليه في اليوم الشديد البرد فيفصِم عنه وإن جبينَه ليتفصَّد عرقًا"، رواه البخاري، وقيل: يَثقُلُ في الميزان يوم القيامة.

﴿إنَّ ناشئةَ الليلِ﴾ أي أوقاته وساعاته لأن أوقاته تنشأ أوَّلا فأوَّلا، واختلف العلماء في المراد بناشئة الليل فقيل: ما بين المغرب والعشاء، وقيل: الليل كله، وقيل: القيام بالليل بعد النوم ومن قام أول الليل قبل النوم فما قام ناشئة الليل.

﴿هيَ أشدُّ وَطئًا﴾ أي أشد على المصلي وأثقل من صلاة النهار لأن الليل جعل للنوم والراحة فكان قيامه على النفس أشدَّ وأثقلَ.

وقرأ ابن عامر وأبو عمرو: "وِطَاءً" بكسر الواو وفتح الطاء والمد، وقرأ ابن محيصن: "وَطَاءً" بفتح الواو والطاء وبالمد.

﴿وأقومُ قيلاً﴾ أي القراءة بالليل أقومُ منها بالنهار أي أشد استقامة واستمرارًا على الصواب لهدوء الأصوات وانقطاع الحركات فلا يضطرب على المصلي ما يقرؤه.

﴿إنَّ لكَ في النهار سَبْحًا طويلاً﴾ أي فراغًا طويلاً لنومك وراحتك وحوائجك.

﴿واذكر اسم ربك﴾ أي دُم يا محمد على ذكر ربك ليلاً ونهارًا، وذكر الله يتناول كل ما يذكر به من تسبيح وتهليل وتمجيد وتحميد وصلاة وقراءة قرءان.

﴿وتبتَّل إليه تبتيلاً﴾ أي انقطع بعبادتك إليه فإن التبتل هو الانقطاع إلى عبادة الله عزَّ وجلَّ، وقال مجاهد: "وتبتل: أَخلِص" رواه البخاري في صحيحه [كتاب التفسير: سورة المزمل].

﴿ربُّ المشرق والمغرب﴾ أي خالق المشرق والمغرب وما بينهما من العالم ﴿لا إلهَ إلا هو﴾ أي لا يستحق أحد أن يُعبد إلا الله عزَّ وجلَّ ﴿فاتَّخِذهُ وكيلاً﴾ أي فوّض جميع أمورك إليه فإنه يكفيكها وتوكل عليه.

وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم: "ربُّ" بالرفع، وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم بالكسر.

﴿واصبر﴾ أي يا محمد ﴿على ما يقولونَ﴾ أي على ما يقوله المشركون من قومك لك وعلى أذاهم ﴿واهجرهم هجرًا جميلاً﴾ أي جانبهم واعتزلهم ولا تتعرض لهم، وكان هذا قبل الأمر بالقتال ثم أُمر بقتالهم فنسخت ءايةُ السيف (ءاية القتال) ما كان قبلها من الترك.

﴿وذرني والمكذبين﴾ أي لا تهتم بهم وكِلْهُمْ إليَّ فأنا أكفيكهم ﴿أولي النعمة﴾ يعني أهل التنعم والأموال والترفه في الدنيا ﴿ومهلهم قليلاً﴾ قالت عائشة: فلم يكن إلا اليسيرُ حتى كانت وقعة بدر.

قال ابن الجوزي: "زعم بعض المفسرين أنها منسوخة بآية السيف وليس بصحيح لأن قوله ﴿وذرني﴾ وعيد، وأَمَرَهُ بإمهالهم ليس على الإطلاق بل أمره بإمهالهم إلى حين يؤمر بقتالهم فذهب زمان الإمهال فأين وجه النسخ" اهـ.

﴿إنَّ لدينا﴾ أي عندنا للكافرين في الآخرة ﴿أنكالاً﴾ أي قيودًا عظامًا ثقالا لا تنفك، وقيل أغلالا من حديد ﴿وجحيمًا﴾ أي نارًا شديدة الإيقاد.

﴿وطعامًا ذا غُصَّةٍ﴾ أي غير سائغ يأخذ بالحلق لا هو نازل ولا هو خارج وهو الغسلين والزَّقوم والضريع، وقيل: شوك يَدخُل الحلق فلا ينزل ولا يخرج ﴿وعذابًا أليمًا﴾ أي موجعًا مؤلما. وفي هذه الآية دليل وردٌّ على من يقول إن عذاب الكفار معنويٌّ وليس حسيًّا.

﴿يومَ ترجف الأرض والجبال﴾ أي تتحرك وتضطرب بمن عليها وذلك يومَ القيامة ﴿وكانت الجبال﴾ أي وتكون الجبال بعد أن كانت صلبة ﴿كثيبًا﴾ أي رملاً مجتمعًا ﴿مهيلاً﴾ أي رخوًا لينًا بحيث إذا أخذت منه شيئًا تبعك ما بعده وانهال.

ولما هدد الله المكذبين بأهوال القيامة ذكَّرهم بحال فرعون وكيف أخذه الله تعالى إذ كذَّب موسى عليه السلام وأنه إن دام تكذيبهم أهلكهم الله تعالى فقال: ﴿إنَّا أرسلنا إليكم﴾ الخطاب عام للأسود والأحمر، وقيل لأهل مكة ﴿رسولاً﴾ وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ﴿شاهدًا عليكم﴾ بالتبليغ وإيمان من ءامن وكفر من كفر ﴿كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً﴾ وهو سيدنا موسى عليه السلام.

﴿فعصى﴾ أي كذب ﴿فرعون الرسول﴾ أي الذي أرسل إليه ولم يؤمن به ﴿فأخذناه﴾ أي أخذنا فرعون ﴿أخذًا وبيلاً﴾ أي ثقيلاً شديدًا أي أهلكناه ومن معه جميعًا وعاقبناه عقوبة غليظة، وهذا تخويف لكفار مكة أن ينزل بهم العذاب لتكذيبهم كما نزل بفرعون.

﴿فكيف تتقون إن كفرتم﴾ بالله أن بقيتم على كفركم ولم تؤمنوا برسوله وأنكرتم يوم القيامة، قال قتادة: والله ما يتقي من كفر بالله ذلك اليوم بشيء، وقيل بأي شيء تتحصنون من عذابِ يوم من هوله يشيب الصغير من غير كِبَرٍ ﴿يومًا﴾ أي عذاب يوم ﴿يجعلُ الوِلدانَ شيبًا﴾ أي يصير الولدان شيوخًا وهو كناية عن شدة هول ذلك اليوم، ويقال في اليوم الشديد "يوم يشيب نواصي الأطفال"، وقال قوم: ذلك حقيقة تشيب رءوسهم من شدة الهول، وقيل: هذا وقت الفزع قبل أن ينفخ في الصور نفخة الصعق.

﴿السماءُ مُنفَطِرٌ به﴾ أي السماء على عِظَمِهَا وإحكامها تنفطر أي تنشق في ذلك اليوم لشدته وهَوْله ﴿كانَ وعدهُ﴾ أي وكان وعد الله بمجيء يوم القيامة وحصول الحساب والجزاء ﴿مفعُولاً﴾ أي واقعًا وكائنًا لا محالة لأن خبر الله صدق لا يطرأ عليه الكذب.

﴿إنَّ هذهِ﴾ أي الآيات القرءانية ﴿تذكرةٌ﴾ أي تذكير وعبرة وعظة لمن اعتبر بها واتعظ ﴿فمن شاءَ اتَّخَذَ إلى ربِّهِ سبيلاً﴾ أي من أراد اتخذ إلى ربه سبيلاً بالإيمان به والعمل بطاعته، قال أبو حيان رحمه الله تعالى (البحر المحيط [8/366]): "وليست المشيئة هنا على معنى الإباحة بل تتضمن معنى الوعد والوعيد" اهـ، وهذا فيه رد على بعض العصريين الذين ينادون بحرية المعتقد ويزعمون أن للإنسان حقًّا أن يؤمن أو أن يكفر وهذا جهل والعياذ بالله وضلال مبين.

قال ابن الجوزي: "زعم بعض من لا فهم له أنها نُسخت بقوله ﴿وما تشاءُونَ إلا أن يشاءَ اللهُ﴾ وليس هذا بكلام من يدري ما يقول لأن الآية الأولى أثبتت للإنسان مشيئة، والآية الثانية أثبتت أنه لا يشاء إلا أن يشاء الله وكيف يتصور النسخ" اهـ.

﴿إنَّ ربَّكَ يعلمُ أنَّكَ﴾ أي يا محمد ﴿تقومُ﴾ أي تصلي، ولما كان أكثر أحوال الصلاة القيامَ عبَّر به عنها. وهذه الآية هي ناسخة لفرضية قيام الليل ﴿أدْنى﴾ أي أقل ﴿من ثُلُثَي الليل﴾ أي زمانًا أقل من الثلثين ﴿ونصفهُ وثُلثهُ﴾ أي وتقوم نصفه وثلثه ﴿وطائفةٌ مِنَ الذينَ معكَ﴾ أي ويقوم بذلك المقدار جماعة من أصحابك المؤمنين بالله حين فرض عليهم قيام الليل ﴿واللهُ يُقَدِّرُ الليلَ والنهارَ﴾ أي أن العالِم بمقادير الليل والنهار وأجزائهما وساعاتهما هو الله تعالى لا يفوته علم ما يفعلون فيعلم القدر الذي يقومون من الليل والذي ينامون منه.

ثم إنهم قاموا حتى انتفخت أقدامهم أي من غير ضرر، فنزل ﴿عَلِمَ أن لن تُحْصُوهُ فتابَ عليكم﴾ أي علم ربكم بعلمه الأزلي أن لن تطيقوا قيام الليل لكثرته وشدته فخفف عنكم فضلاً منه ﴿فاقرءوا﴾ أي في الصلاة ﴿ما تيَسَّرَ﴾ عليكم ﴿مِنَ القرءان﴾.

﴿عَلِمَ أن سيكونُ منكم مرضى﴾ أي سيكون منكم أهل مرض قد أضعفه المرض عن قيام الليل، وهذه حكمة ثانية لبيان النسخ، وأما الأولى فهي قوله عزَّ وجلَّ: ﴿علِمَ أن لن تُحصوهُ﴾.

﴿وءاخرونَ يضربونَ في الأرضِ﴾ وهم المسافرون للتجارة وطلب العلم وغير ذلك ﴿يبتَغونَ﴾ أي يطلبون ﴿مِن فضلِ اللهِ﴾ أي من رزقه في تجارة قد سافروا لطلب المعاش فأعجزهم وأضعفهم قيام الليل ﴿وءاخرونَ يُقاتِلونَ في سبيلِ اللهِ﴾ أي وءاخرون أيضًا منكم وهم الغزاة والمجاهدون الذين يجاهدون العدو فيقاتلونهم لنصرة دين الله، فالمجاهد والمسافر مشتغل في النهار بالأعمال الشاقة فلو لم ينم بالليل لتوالت عليه أسباب المشقة، فرحمكم الله فخفف عنكم ووضع عنكم فرض قيام الليل.

﴿فاقرءوا ما تيسَّرَ منهُ﴾ أي فاقرءوا الآن -إذ خفف ذلك عنكم- من الليل في صلاتكم ما تيسرَّ من القرءان، كرر ذلك وأعاده على سبيل التوكيد ﴿وأقيموا الصلاةَ﴾ المفروضة الواجبة عليكم في أوقاتها مع مراعاة أركانها وشروطها، وهي خمس صلوات في اليوم والليلة ﴿وءاتوا الزكاةَ﴾ أي أعطوا الزكاة المفروضة في أموالكم أهلها ومستحقيها ﴿وأَقْرِضوا اللهَ قرضًا حسنًا﴾ أي وأنفقوا في سبيل الله من أموالكم مع إخلاص النية وابتغاء الأجر من الله ﴿وما تُقدموا لأنفسكم من خير﴾ أي وما تقدموا أيها المؤمنون لأنفسكم في دار الدنيا من صدقة أو نفقة تنفقونها في سبيل الله أو غير ذلك من نفقة في وجوه الخير أو عمل بطاعة الله من صلاة أو صيام أو حج أو قراءة أو طلب علم أو تعليم عقيدة أهل السنة أو غير ذلك من أعمال الخير ﴿تَجدوهُ عندَ اللهِ﴾ أي تجدوا ثوابه وأجره يوم القيامة في صحائف أعمالكم ﴿هوَ خيرًا﴾ أي مما خلَّفتم وتركتم وراءكم فإن ما يتركه الإنسان يصير مِلكًا للورثة ﴿وأعظٍمَ أجرًا﴾ أي ثوابه أعظم ﴿واستغفروا اللهَ﴾ أي سلوه المغفرة لذنوبكم ﴿إنَّ الله عفورٌ﴾ أي غفور لذنوب المؤمنين ﴿رحيمٌ﴾ أي رحيم بهم.

سني أهل السنة دروس دينية إسلامية ثقافة إسلامية تفسير قرآن تفسير سورة المزمل تفسير جزء تبارك